أخبار

قناة “بلقيس” تودع جمهورها بعد عقد من المعارك الصحفية

ضيف الله الطوالي – مراسلين

اليمن – بعد عشر سنوات من كونها نافذة رئيسية للخبر اليمني وسط ركام الحرب والاستقطاب، أعلنت قناة “بلقيس” الفضائية، اليوم الجمعة، توقف بثها التلفزيوني بشكل رسمي، مرجعة القرار إلى “أسباب قاهرة خارجة عن إرادتها”، لتنطوي بذلك صفحة بارزة في الإعلام اليمني المُعارض والمستقل الذي نشأ على وقع تحولات البلاد السياسية العاصفة.

ولادة من رحم العاصفة

لم تكن “بلقيس” مجرد قناة فضائية عابرة في الفضاء اليمني؛ فقد انطلق بثها الرسمي في الحادي عشر من مايو 2015، في توقيت بالغ الحساسية تزامن مع انهيار الدولة عقب انقلاب جماعة الحوثي على الدولة وما تلاها من إنطلاق عمليات التحالف العربي. ومن مقرها في إسطنبول، وبرئاسة مجلس إدارتها الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان، حملت القناة على عاتقها مهمة شاقة تمثلت في “إيصال صوت الإنسان اليمني” والدفاع عن قيم الحرية والكرامة في ظل تجريف هائل للحريات الصحفية داخل البلاد.
وعلى مدار عقد كامل، نجحت القناة في حجز مكانة متقدمة كواحدة من أكثر القنوات اليمنية احترافية، محافظةً على توازن صعب في بيئة إعلامية شديدة الاستقطاب، ومقدمةً نموذجاً للصحافة التي لا تنحاز إلا للقضايا العادلة وتطلعات المواطنين.

ضريبة الكلمة وتضحيات الميدان

مسيرة القناة لم تكن مفروشة بالورود، بل عُبدت بالتضحيات الجسيمة. فقد واجهت القناة منذ يومها الأول تحديات أمنية وسياسية معقدة؛ إذ تعرضت مكاتبها في صنعاء وعدن للمصادرة والإغلاق، ومُنع طاقمها من العمل في مناطق سيطرة مختلف سلطات الأمر الواقع.
والأقسى من ذلك، أن القناة قدمت “شهداء من الحقيقة”؛ مراسلين فقدوا أرواحهم وهم ينقلون الصورة من خطوط النار، فيما تعرض آخرون للملاحقات والمضايقات المستمرة. ورغم حملات التحريض الممنهجة التي استهدفت شيطنتها والتشكيك في مهنيتها من قبل أطراف إقليمية ومحلية، ظلت “بلقيس” صامدة، موثقةً الانتهاكات التي طالت المدنيين في مختلف المحافظات، ومحولةً شاشتها إلى منصة لرصد مشاريع الأطراف الدولية والإقليمية في اليمن.


النهاية.. وبداية رقمية

وفي بيان الوداع المؤثر، وصفت القناة توقف البث بأنه نتيجة “ظروف قاهرة”، دون الخوض في التفاصيل الدقيقة، لكنها أكدت لجمهورها أن “توقف البث لن يكون نهاية الرسالة”.
وخاطبت القناة متابعيها بالقول: “لقد كنتم شريكنا الأهم في هذه الرحلة.. ونؤكد أن المبادئ التي جمعتنا ستظل حاضرة”. وأعلنت القناة أن صوتها سيستمر عبر منصاتها الرقمية، في إشارة إلى تحول استراتيجي نحو الإعلام الجديد لمواكبة المتغيرات، وإبقاء جذوة “بلقيس” مشتعلة إلى أن تحين ظروف أفضل لمعاودة البث الفضائي.
ويأتي هذا الإغلاق ليثير مخاوف واسعة في الأوساط الصحفية والحقوقية، ليس فقط على مصير الطواقم الإعلامية الشابة التي صقلتها القناة، بل على مستقبل الإعلام الحر في اليمن الذي يفقد منابره واحداً تلو الآخر، تاركاً الساحة للأصوات الموجهة وأدوات الحرب النفسية.

Amjad Abuarafeh

رئيس التحرير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews