تقارير و تحقيقات

صفقة عملاقة وأهداف متعددة.. لماذا استحوذت السعودية على EA؟

علي زم – مراسلين

في صيف هذا العام، وخلال حفل توزيع جوائز فخم في الرياض، صعد لاعبو فريق «فالكونز» السعودي للألعاب الإلكترونية إلى المسرح لتسلّم جائزتهم من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بابتسامات عريضة وسط تصفيق حار وتغطية إعلامية عالمية. كان الفريق قد فاز حديثاً ببطولة كأس العالم للألعاب الإلكترونية التي استضافتها العاصمة السعودية، وجذبت نحو ثلاثة ملايين زائر لمتابعة منافسات اللاعبين على جوائز بملايين الدولارات.

رغم مظهر الأمير السعودي محمد بن سلمان الجاد وسلوكه الحازم، لا يشبه كثيراً لاعبي الفيديو الاعتياديين، إلا أنه منذ طفولته كان مولعاً بألعاب الفيديو، ووُصف في وقت سابق من قبل أحد كبار العاملين في هذه الصناعة بأنه «لاعب محترف».

تحقق حلم بن سلمان الآن، إذ أصبح مالكاً مشتركاً لإحدى أشهر شركات تطوير ألعاب الفيديو في العالم، وهي شركة «إلكترونيك آرتس» (EA) الأمريكية ومقرها كاليفورنيا. فقد وافق «صندوق الاستثمارات العامة» السعودي الأسبوع الماضي على شراء الشركة مقابل 55 مليار دولار (41 مليار جنيه إسترليني)، في صفقة توصف بأنها أكبر عملية استحواذ في التاريخ.

وتمنح هذه الصفقة المملكة إمكانية الوصول إلى ألعاب شهيرة وعالمية مثل EA Sports FC (المعروفة سابقاً باسم «فيفا»)، وسلسلة ألعاب القتال «باتلفيلد» (Battlefield)، ومحاكاة الحياة «ذا سيمز» (The Sims). وتعد الصفقة مكسباً استراتيجياً يرسخ موقع السعودية كفاعل رئيسي في صناعة ألعاب الفيديو، وهي سوق تقدر قيمتها بنحو 184 مليار دولار، أي أكبر من صناعات السينما والموسيقى مجتمعة.

وتخطط السعودية لاستثمار 38 مليار دولار في قطاع الألعاب الإلكترونية بحلول عام 2030، في إطار سعيها لأن تصبح مركزاً عالمياً لهذه الصناعة، بينما أصبح «صندوق الاستثمارات العامة» بهدوء أحد أكبر المستثمرين في قطاع الألعاب حول العالم.

ويمتلك الصندوق حصصاً في شركتي «نينتندو» و«كابكوم» (Capcom)، المطورة لسلسلة ألعاب «ريزيدنت إيفل» (Resident Evil)، كما يسيطر على شركة «سافي غيمز» (Savvy Games) التي أنفقت مليارات الدولارات لشراء شركات تطوير ألعاب، ويملك نحو 6% من أسهم شركة «تيك تو إنترأكتيف» (Take-Two Interactive)، المالكة للعبة الشهيرة «غراند ثفت أوتو» (GTA).

ويأتي ذلك في وقت كانت فيه السلطات السعودية حتى يوليو الماضي تحظر لعبة GTA بسبب ما تتضمنه من مشاهد عنف وجريمة ومخدرات، إضافة إلى حظر ألعاب أخرى تصور علاقات أو زواجاً خارج الأطر الشرعية، مثل «ذا لاست أوف أس: الجزء الثاني» (The Last of Us Part II).

توسّع في القوة الناعمة

لكن ما الذي تسعى السعودية وولي عهدها إلى تحقيقه من وراء هذا التوجه نحو الألعاب الإلكترونية؟ تقول مصادر مقربة من الصندوق إن هذه الاستثمارات ذات طبيعة تجارية بحتة، إلا أن المراقبين يرون أنها تأتي ضمن سلسلة من التحركات التي تعزز نفوذ المملكة على الثقافة العالمية.

ويقول بيرز هاردينغ رولز، المحلل في شركة «أمبير أناليسس»، إن هذه الصفقة «تتوافق مع استراتيجية صندوق الاستثمارات العامة في تراكم القوة الناعمة من خلال الترفيه والرياضة». ويضيف أن «قيمة EA بالنسبة للسعودية لا يمكن قياسها فقط من خلال أرباحها المالية».

أما جورج أوزبورن، محرر تقرير صناعة الألعاب الإلكترونية، فيعلق على الصفقة قائلاً إنها «القطعة المفقودة من أحجية استراتيجية السعودية لغسل سمعتها عبر الألعاب والرياضة… إنها كل ما تريده المملكة في مكان واحد».

وتمنح الصفقة السعودية ملكية مجموعة من أشهر الألعاب الرياضية في العالم، مثل سلسلة ألعاب كرة القدم الأمريكية «مادن» (Madden)، كما تطور EA ألعاباً خاصة ببطولات «القتال النهائي» (UFC)، وهي رياضات تمتلك السعودية طموحات كبيرة في مجالها، بما في ذلك إطلاق دوري محلي للملاكمة والفنون القتالية مطلع هذا العام. وترتبط هذه التحركات أيضاً بخطط المملكة لاستضافة كأس العالم لكرة القدم عام 2034.

وتعد “فيفا” (EA Sports FC) حالياً أكبر لعبة كرة قدم في العالم، فيما حضر النجم كريستيانو رونالدو، الذي يلعب في الدوري السعودي، حفل توزيع جوائز كأس العالم للألعاب الإلكترونية إلى جانب ولي العهد.

تحالف سياسي واقتصادي

لكن وراء هذه الصفقة أيضاً بعد سياسي واضح، إذ من المتوقع أن تعزز العلاقات بين الرياض وواشنطن. فالمجموعة التي استحوذت على EA تضم، إلى جانب صندوق الاستثمارات العامة السعودي وشركة الأسهم الخاصة الأمريكية «سيلفر ليك» (Silver Lake)، شركة «أفينيتي بارتنرز» (Affinity Partners) التي أسسها جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.

ويمتلك صندوق كوشنر نحو 5 في المئة من الصفقة، بينما يحتفظ صندوق الاستثمارات العامة بحصة الأغلبية. وتجدر الإشارة إلى أن السعودية تعد من أبرز المستثمرين في شركة «أفينيتي» التابعة لكوشنر.

الأهداف الاقتصادية والتحولات الداخلية

من ناحية أخرى، يسعى ولي العهد، منذ توليه المنصب عام 2017، إلى تنويع الاقتصاد السعودي وتقليل الاعتماد على النفط. ورغم الإنفاق الهائل على مشاريع ضخمة مثل مدينة «نيوم» المستقبلية، والاستثمار في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، فإن الاقتصاد السعودي، الذي تبلغ قيمته نحو تريليون دولار، يواجه ضغوطاً ناجمة عن انخفاض أسعار النفط وتزايد العجز في الميزانية.

ويرى منتقدون أن صفقة EA تأتي ضمن ما يسمى «الغسل الرياضي»، أي استخدام الرياضة والترفيه لتحسين صورة المملكة على الساحة الدولية. ويقول تقرير صادر عن منظمة «هيومن رايتس ووتش» إن الاستثمارات السعودية الكبيرة في مجالات الرياضة والترفيه تهدف إلى «التغطية على سجلها السيئ في مجال حقوق الإنسان». وتحتل السعودية المرتبة 162 من أصل 180 في مؤشر حرية الصحافة العالمي.

ويعتبر أوزبورن أن توجه المملكة نحو ألعاب الفيديو والرياضات الإلكترونية يمثل تبنياً واضحاً لـ«القوة الناعمة الكلاسيكية» ومحاولة لجذب الانتباه الدولي وبسط النفوذ الثقافي.

أما مستشار الألعاب راد بريسلاو فيقول إن «السعوديين انخرطوا في كل شيء، من كرة القدم والغولف إلى المصارعة والفورمولا 1، لكن استثماراتهم في ألعاب الفيديو والألعاب الاحترافية تفوقت حتى على تلك القطاعات الأخرى».

اعتراضات من داخل مجتمع اللاعبين

ومع ذلك، فقد قوبل النفوذ السعودي في مجال الألعاب بمقاومة من بعض اللاعبين. فقد رفض اللاعب المحترف الكندي المعروف باسم Twistzz الانضمام إلى فريق «Saudi Falcons»، قائلاً: «لو كنت أبحث فقط عن المتعة أو المال، لانضممت إليهم، لكنني أملك مبادئ، والأمر ليس مسألة مال».

كما انسحبت شركة تطوير الألعاب «جيوغيسّر» (GeoGuessr) من المشاركة في بطولة كأس العالم للألعاب الإلكترونية في اللحظة الأخيرة بعد احتجاجات من مجتمع لاعبيها. ويحذر بريسلاو من أن صفقة EA تثير تساؤلات حول ما إذا كان الملاك الجدد سيتدخلون في القرارات الإبداعية المستقبلية للشركة.

وفي الوقت الذي يمتلك فيه صندوق الاستثمارات العامة وشركة «سيلفر ليك» موارد مالية ضخمة، أثار حجم الديون المستخدمة لتمويل الصفقة – نحو 20 مليار دولار – مخاوف من احتمال تنفيذ عمليات تسريح واسعة داخل EA. ويتوقع محللون أن يسعى المالكون الجدد إلى الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لتقليل تكاليف تطوير الألعاب. وكانت EA قد استغنت بالفعل عن مئات الموظفين هذا العام، بينهم عاملون في استوديو «كودماسترز» (Codemasters) في بريطانيا.

وأكد الرئيس التنفيذي لشركة EA، أندرو ويلسون، أن «قيم الشركة والتزامها تجاه اللاعبين حول العالم لن يتغيرا بعد الصفقة». ورغم خضوع عملية الاستحواذ لمراجعة أمنية إلزامية في الولايات المتحدة، فإن محللين يرون أن وجود جاريد كوشنر كوسيط رئيسي سيجعل من الصعب وضع أي عراقيل حقيقية أمام الصفقة.

وقال أوزبورن في ختام حديثه: «إنها لعبة نفوذ كبرى، وما كانت لتحدث لولا إدارة ترامب وجاريد كوشنر». ورفض متحدث باسم صندوق الاستثمارات العامة التعليق على الصفقة، فيما لم ترد شركة EA على طلبات التعليق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews