أخبارتقارير و تحقيقات

خطة “New Gaza” لإخضاع “حماس” والحياة الجديدة لمليونَي غزّاوي

الإسم الأميركي للمشروع هو "غزة الجديدة"، بينما يسمّيه ضباط الجيش الإسرائيلي "غزة الخضراء"

ترجمة عن صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية – الكاتب الصحفي رون بن يشاي

  • يفصل “ممر موراغ” بين منطقة خان يونس من الشمال ومنطقة رفح من الجنوب، وهو طريق ترابي مغبّر يبدأ من الحدود بين قطاع غزة وجنوب الغلاف، ويقود إلى منطقة المواصي الخاضعة لسيطرة “حماس”، حيث تتركز نسبة كبيرة من سكان غزة. اليوم، يقود هذا الطريق، غرباً، فقط حتى الخط الأصفر الذي يفصل بين “حماس” والجيش الإسرائيلي. في أثناء السير، تثير مركبات الهامر الغبار، وتخفي السواتر الترابية على جانبي الطريق – والتي أُقيمت لحماية المارّين من القنص وصواريخ الكورنيت – تلال الدمار الممتدة على جانبَيه.
  • ما أثار دهشتي بشكل خاص خلال المرور من هناك، كانت أكوام الأكياس البيضاء وطرود الكرتون الملقاة على طول الطريق. ضابط كبير في المنطقة، رآني أحدّق متسائلاً، فشرح لي أنها أكياس دقيق وطرود غذاء “سقطت” من الشاحنات التي كانت تحمّلها عند معبر كرم أبو سالم، في أثناء إدخالها كمساعدات إنسانية لسكان القطاع.
  • كلما تقدمنا داخل القطاع، كلما ازدادت كميات الطعام الملقاة على جوانب الطريق، وفي تقديري أنها عشرات، وربما مئات الأطنان من أكياس الدقيق وطرود الكرتون التي تحتوي غالباً على معلبات. كلها سليمة وصالحة للأكل. لكن المشهد الأكبر كان شاحنة نقل ضخمة تُركت بحمولتها في منتصف الطريق، فاضطرت الجرافات إلى إزالتها، بعد انقلابها، لكي تسمح بمرور المركبات.
  • سألت الجنود عن كيفية وصول هذه الكميات الهائلة إلى هنا، ولم يكن لدى أحد تفسير قاطع، وهناك تفسيران لِما حدث؛ الأول أن السائقين، الذين قبضوا أجورهم مسبقاً، لم يربطوا الحمولة جيداً، فسقطت من الشاحنات في أثناء السير على الطريق الوعرة. وهنا يُطرح السؤال: ألم تتحقق منظمات الإغاثة داخل القطاع من أن الكميات التي استلمتها تُطابق ما خرج من معبر كرم أبو سالم؟ فهذه المواد الغذائية بقيمة ملايين الدولارات التي دفعتها دول الخليج، أو الأمم المتحدة، أو منظمات دولية؛ التفسير الثاني أن لصوصاً أو عصابات عائلية – صعدوا إلى الشاحنات، بموافقة السائقين، وألقوا الحمولة منها في أثناء السير، لكي يجمعها شركاؤهم لاحقاً ويبيعوها في السوق المحلية التي ارتفعت فيها الأسعار بشكل جنوني، لكن لم يجمع أحد هذه البضائع هذه المرة، ربما لأن وجود الجيش الإسرائيلي في المنطقة أبعدَ اللصوص.
  • من المحتمل أيضاً أن جزءاً  من هذه المواد جُلب إلى المكان بواسطة الجهة الإنسانية GHI التي عملت بإشراف الجيش الإسرائيلي، والتي توقفت لاحقاً  عن العمل بطلب من الوسطاء. في كل الأحوال، يجب على الجهات المموِّلة والمنسِّقة للمساعدات التحقيق فيما حدث، لكن من المرجح أن النتائج قد تنفي ادّعاءات “المجاعة” في غزة.

المرحلة الأولى: الأحياء الموقتة

  • بعد ذلك، صعدنا على ساتر ترابي يحيط بموقع محصّن للجيش الإسرائيلي يطل على مدينة رفح ومخيماتها المحيطة. يقع الموقع على تلة رملية عالية تتيح رؤية واسعة وواضحة. من هذه النقطة، يسهل فهم مخطط العملية الذي وضعته القيادة الأميركية في كريات غات، مركز التنسيق المدني العسكري، لتنفيذ خطة ترامب ذات العشرين بنداً.
  • يؤكد الجيش الإسرائيلي أنه لا يجوز الانخداع بالأوهام، فالعملية التي ينفّذها الجيش، بأمرٍ من المستوى السياسي، ستستغرق وقتاً طويلاً جداً. ولهذا، يستعد الجيش للبقاء فترة طويلة في القطاع المقسّم الآن بين مناطق تحت سيطرة “حماس” ومناطق تحت سيطرة إسرائيل، والتي تشكل 57% من مساحة القطاع.
  • الاسم الأميركي للمشروع هو “غزة الجديدة”، بينما يسمّيه ضباط الجيش الإسرائيلي “غزة الخضراء”. يهدف المشروع إلى إعادة إسكان ملايين الغزيين الذين نزحوا من منازلهم، وإعادة إعمار القطاع المدمر، من خلال عزل “حماس” وإجبارها على التخلي عن سلاحها ودورها العسكري والسياسي.
  • في المرحلة الأولى، سيتم تنفيذ الخطة في منطقة رفح، شرقي الخط الأصفر، أي في المنطقة التي يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي، ولن يحدث شيء في المناطق التي بقيت تحت سيطرة “حماس”، بل لن يُسمح بدخول مساعدات إليها عندما يبدأ تنفيذ الخطة فعلياً..
  • ستدخل “قوة الاستقرار الدولية” إلى المنطقة الخاضعة لإسرائيل، شرقي الخط الأصفر، إلى رفح، للإشراف وتأمين إنشاء “الأحياء الموقتة الجديدة”  التي ستستقبل المدنيين الغزيين غير التابعين لـ”حماس”، إلى حين الانتهاء من إزالة الأنقاض وبناء المدينة الجديدة المخطط لها في رفح.
  • ستُقام هذه الأحياء في المناطق الشرقية المفتوحة من رفح، أو في مناطق الكثبان الرملية التي كانت خالية قبل الحرب، والتي لا توجد فيها أنقاض، أو ذخائر غير منفجرة، أو ألغام.

المرحلة الثانية: انتقال السكان

  • في المرحلة الثانية، سيُدعى سكان القطاع المقيمون الآن بأكواخ وخيام  بلاستيكية في منطقة المواصي، للانتقال إلى الأحياء الموقتة الجديدة؛ سيكون السكن في كرفانات وخيام منظّمة بتخطيط ملائم، مع بنى تحتية للمياه والكهرباء والصرف الصحي، فضلاً عن مستشفيات وعيادات ومدارس ومساجد.
  • تقدّر الولايات المتحدة أن الغزيين الذين يعيشون الآن في ظروف شبه غير إنسانية في مناطق “حماس” سيقبلون الانتقال إلى هذه الأحياء ذات الخدمات، حيث سيمكنهم العمل في مشاريع إزالة الأنقاض وإعادة الإعمار.
  • ولمنع تسلُّل عناصر “حماس”، ستقيم إسرائيل والشاباك معابر على الخط الأصفر تتضمن نقاط فحص تشمل تقنيات متقدمة، مثل التعرف إلى الوجوه، وأجهزة كشف معدات معززة بالذكاء الاصطناعي، وسيتم التأكد من أن عناصر “حماس” لا يدخلون الأحياء الموقتة ولا يهرّبون السلاح إليها.
  • ستُقدَّم المساعدة الإنسانية مباشرةً من المنظمات الدولية لسكان “غزة الجديدة” مجاناً؛ أمّا المنظمة التي عملت سابقاً تحت رعاية إسرائيل، فقد توقفت بطلب من الوسطاء..

مراكز توزيع صغيرة وكثيرة

  • تولي الخطة الأميركية موضوع المساعدات الإنسانية اهتماماً كبيراً، والهدف هو إيصال المساعدات مباشرةً إلى المحتاجين من دون أن تستولي عليها “حماس”، أو تبيعها؛ لذلك، قريباً ستُقام مراكز توزيع متعددة بالقرب من الخط الأصفر، بإدارة المنظمات الدولية، وبحماية قوة الاستقرار. لقد استخلص الجيش الإسرائيلي من تجارب سابقة ضرورة تجنُّب تجمُّع عشرات الآلاف في مراكز توزيعٍ قليلة، فالازدحام قد يعرّض الغزيين للخطر، ويعرّض أيضاً الجنود الإسرائيليين للخطر؛ لذلك، اتُّخذ قرار إنشاء عدد كبير من المراكز الصغيرة المحلية، وكلّ حيّ له مركزه الخاص.
  • علاوةً على توزيع المساعدات وبناء الأحياء الموقتة، سيبدأ المقاولون (مصريون في الأغلب) بإزالة الأنقاض (وليس واضحاً إلى أين ستُنقل)، ثم بناء “غزة الجديدة”. بدأ الجيش بشكل فعلي بمساعدة المخططين الأميركيين، عبر إزالة الألغام والذخائر في مناطق ينشط فيها أساساً.

الهدف النهائي: إفراغ مناطق “حماس”

  • إذا نجح مشروع الأحياء الموقتة في رفح، ستوسّع الولايات المتحدة التنفيذ إلى خان يونس، ثم إلى وسط القطاع، وأخيراً الشمال. الهدف النهائي هو أن ينتقل نحو مليونَي فلسطيني، هم في معظمهم، من سكان المناطق الخاضعة الآن لـ”حماس”، إلى الأحياء الموقتة بالتدريج، ثم إلى بلدات دائمة جديدة تموّلها وتبنيها دول الخليج.
  • قد يُسمح لمن يرغب من الغزيين بالهجرة، إذا كان هناك دول مستعدة لاستقبالهم، وبذلك، تُفرَّغ تلك المناطق، التي تشمل المواصي ومخيمات الوسط ومدينة غزة، من السكان المدنيين.
  • في تلك المرحلة، سيبقى عناصر “حماس” والجهاد الإسلامي في “الجيب الأحمر”، محاصرين بين البحر وقوات إسرائيلية كبيرة، من دون أي مساعدات إنسانية؛ عندها، وفق الضباط الأميركيين، سيضطرون إلى الاختيار بين الاستسلام ونزع السلاح والخروج إلى المنفى، أو القتال حتى الموت.
  • لدى الجيش الإسرائيلي أيضاً خطط لاحتلال مناطق غرب القطاع لتحقيق النتيجة عينها، لكن ذلك يعتمد على التفاهمات بين حكومة إسرائيل وإدارة ترامب؛ الأميركيون يعتقدون أنه لن يكون هناك حاجة إلى احتلال إضافي، لأن “حماس” ستستسلم حالما تدرك أنها معزولة وغير قادرة على القتال، وذلك بالتنسيق مع قطر وتركيا ومصر.

الدفاع: مواقع محصّنة ومنطقة أمنية أمامها

  • يؤكد التقرير ضرورة عدم التوقّع أن الأمور ستُنجز سريعاً، فالعملية ستستغرق أكثر من عام، وقوة الاستقرار الدولية لم تُشكَّل بعد، ولا توجد دول مستعدة للمشاركة؛ من غير الواضح كيف سيُموَّل المشروع الأميركي الضخم، لكن في القدس، يفترضون أن الرئيس الأميركي يرى في تنفيذ خطته لغزة إنجازاً قد ينال بفضله جائزة نوبل، ويسمح لمقرّبين منه بجني الأرباح.
  • لذلك، يستعد الجيش الإسرائيلي لبقاء طويل، وهو الآن ينتشر على شكل مواقع محصّنة محاطة بسواتر ترابية عالية أقيمت عليها مواقع خرسانية، وخلفها طبقات عديدة من الأسلاك الشائكة. تقع هذه المواقع على بُعد مئات الأمتار، شرقي الخط الأصفر، بحيث يشكل الفراغ أمامها منطقة أمنية لرصد وإحباط محاولات التسلل.      

المعركة ضد الجيوب تحت الأرض

  • لكن داخل المناطق الخاضعة لإسرائيل، لا تزال توجد جيوب مقاومة، هناك شبكتان تحت الأرض: واحدة في خان يونس، والأُخرى في رفح، حيث يخوض الجيش قتالاً فوق الأرض وتحتها لإرغام المسلحين على الخروج.
  • رفض الجيش الإسرائيلي مقترحات الوسطاء والأميركيين التي تسمح للمسلحين بالخروج نحو منطقة “حماس”، وبحسب الجيش، ستكون نهايتهم، إمّا القتل، وإمّا الاستسلام.
  • إن سبب الإصرار ليس عسكرياً فقط، بل يهدف إلى ضرب “الأسطورة” التي تبنيها “حماس” حول “مقاتلي الأنفاق الأبطال”، فالجيش مصمم على القضاء على الجيوب، وعلى الأسطورة معاً.
  • الآن، تدور المعركة الرئيسية في مجمّع الأنفاق تحت رفح، والذي عُثر عليه  بالصدفة قبل أسابيع، بعد أن خرج منه مسلحون وقتلوا أربعة جنود في كمين. كان في الموقع  نحو 100 مسلح حوصروا، بعد سيطرة الجيش على السطح؛ الآن، بقيَ منهم أقل من 20، والجيش يضيّق الحصار فوق الأرض وتحتها، منعاً لأي هروب، ولن يكون أمامهم إلّا الاستسلام، أو الموت.
  • قُتل ثلث المسلحين جرّاء القصف الدقيق والذخائر المخترِقة؛ الثلث الثاني مسلحون خرجوا إلى السطح، إمّا للفرار، أو للقتال، فقُتل معظمهم؛ وثلث منهم استسلم. وكانت المفاجأة أن جزءاً من المستسلمين سلّم نفسه لميليشيات “أبو شباب” التي تعمل في رفح.

هل هُزمت “حماس”؟

  • مؤخراً، تكررت في محادثات مع ضباط وقادة ميدانيين مقولة إن “حماس” هُزمت عسكرياً، وأن خطة ترامب ذات العشرين نقطة تشكل “طوق نجاة” لها لأنها تسمح لها بالخروج، من دون سلاح، وبسلام نسبي، لكن السؤال: كم سيستغرق ذلك؟ وهل لدى إسرائيل والجمهور الإسرائيلي الصبر لتحمُّل التكاليف إلى أن تبدأ الآلة الأميركية الضخمة بالتحرك؟
  • من خلال جولة الأيام الأخيرة في القطاع، يظهر أن هذا لن يحدث قريباً.

Amjad Abuarafeh

رئيس التحرير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews