تقارير و تحقيقات

العمل الإنساني باليمن في خطر.. الاعتقال التعسفي هاجس لا يفارق العاملين

منال أمين – خاص مراسلين

اليمن- تشهد مناطق سيطرة الحوثيين في شمال اليمن، ولا سيما العاصمة صنعاء اليمنية، تصعيداً ملحوظاً في ملاحقة العاملين المحليين في المنظمات والوكالات الدولية وحتى النشطاء في العمل الإنساني والأكاديميين والحقوقيين خلال الأشهر الأخيرة، في سياق سلسلة من الانتهاكات المتزايدة التي طالت الكوادر المحليين.

وأكد نشطاء حقوقيون أن بيئة العمل الإنساني باتت أكثر خطورة من أي وقت مضى، مع تحول الخوف من الاعتقال التعسفي إلى هاجس يومي يثقل كاهل العاملين المحليين والدوليين على حد سواء، وأن هذا المناخ القمعي لا يعكر صفو العاملين فحسب، بل يهدد أيضاً قدرة الوكالات الإنسانية على مواصلة تقديم خدماتها للفئات الأكثر هشاشة في بلد يعيش إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.

منظمة هيومن رايتس

أكدت منظمة هيومن رايتس ووتش أن ما لا يقل عن 59 موظفاً تابعين للأمم المتحدة محتجزون لدى سلطات الحوثيين في العاصمة اليمنية صنعاء، دون تمكينهم من التواصل مع محامين أو باتصال محدود بذويهم، في ظل توجيه اتهامات مشكوكة بالتجسس طالتهم ضمن قضايا شملت مؤخراً محاكمة وصفتها المنظمة بـ”الجائرة” لـ21 شخصاً، حكم على 17 منهم بالإعدام.

وذكر التقرير الأخير للمنظمة، المعنون “اليمن: الحوثيون يشنون اعتقالات واسعة بحق معارضيهم” الذي صدر تاريخ 27 نوفمبر الماضي، أن سلطات الحوثي اعتقلت في 28 أكتوبر/تشرين الأول ما لا يقل عن 70 شخصاً بمحافظة ذمار، معظمهم على صلة بـ”حزب الإصلاح”، خلال 24 ساعة فقط.

وأشار التقرير إلى أن هذه الاعتقالات تأتي ضمن حملة مستمرة منذ نحو عام ونصف، استهدفت نشطاء المجتمع المدني وموظفي الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية ورجال أعمال، بل وشملت شخصيات من داخل جماعة الحوثي نفسها.

واستعاد التقرير سوابق مماثلة، أبرزها اعتقال 25 عضواً من حزب الإصلاح في أبريل 2020، وصولاً إلى حكم المحكمة الجزائية المتخصصة في يونيو 2024 بالإعدام على 44 معتقلاً منذ 2020، بينهم 16 حوكموا غيابياً، فيما حكم على خمسة آخرين بالسجن.

انتهاكات حقوق الإنسان

أكدت القاضية إشراق المقطري، عضو اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن، لشبكة “مراسلين” أن التقرير الأخير الصادر عن منظمة هيومن رايس ووتش يمثل وثيقة بالغة الأهمية، نظراً للطريقة التي تناول بها الانتهاكات، والتي تظهر – بحسب قولها – أن جماعة الحوثي باتت تتبع منهجية ممنهجة وواسعة في تقييد الحريات وملاحقة كل من يعبر عن رأيه بشكل سلمي.

وذكرت المقطري أن ما ورد في التقرير يعكس جزءاً من صورة أوسع لملف حقوق الإنسان في اليمن، معبرة عن أملها في أن تتحول هذه التقارير الدولية إلى خطوات عملية لإدانة جماعة الحوثي على ما ترتكبه من اعتقالات تعسفية وممارسات قمعية متصاعدة خلال الفترة الأخيرة.

معاناة اليمنيين

وأضافت المقطري أن الجماعة لا تولي أي اهتمام لمعاناة اليمنيين، ولا تعطي أي قيمة لاحتياجات المجتمع الذي يعتمد بشكل ملح على جهود المنظمات الإنسانية، و أن الحوثيين ، يواصلون تدمير فرص الحياة الكريمة في مناطق نفوذهم، ويستخدمون كل الأدوات المتاحة لترسيخ ممارساتهم غير القانونية، بما في ذلك توظيف القضاء لتلفيق التهم وإصدار إدانات خارج إطار العدالة.

محكمة مختصة

وفيما يتعلق بعمل اللجنة الوطنية، أوضحت المقطري أن اللجنة تواصل رصد الانتهاكات والوصول إلى الضحايا وجمع الأدلة، مشيرة إلى أن الفريق تمكن خلال الفترة الماضية من التحقق من عدد كبير من الملفات التي ستُسهم مستقبلاً في عملية المحاسبة القضائية وإنصاف الضحايا.

وأكدت أن اللجنة تعمل بالتنسيق مع منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام للضغط باتجاه تفعيل دور القضاء الوطني، والدفع نحو إنشاء محكمة مختصة للنظر في انتهاكات حقوق الإنسان، بهدف محاسبة مرتكبي الجرائم الجسيمة وتحقيق العدالة للضحايا.

العمل من المنزل

ذكر أحد العاملين المحليين في إحدى المنظمات الدولية بالعاصمة اليمنية صنعاء – فضل عدم ذكر اسمه لدواع أمنية – لشبكة ” مراسلين”، أن بيئة العمل أصبحت أكثر خطورة من أي وقت مضى، خصوصاً على موظفي المنظمات الدولية.. موضحاً أن الخوف من الاعتقال التعسفي دون وجه حق دفعه للعمل من منزله بشكل شبه كامل، خشية أن يُستهدف أثناء وجوده في مقر عمله.
وأشار إلى أن هذا الوضع لم يعد استثناءً، بل أصبح واقعاً يعيشه معظم العاملين في المنظمات الدولية داخل صنعاء، حيث يمارس الكثير منهم مهامهم عن بُعد ويتخذون إجراءات احترازية مشددة، في ظل مخاوف متنامية من توقيفهم دون مبرر، رغم أن طبيعة عملهم إنسانية وتنموية بحتة.

وأكد أن حالة القلق التي تسود أوساط العاملين تعكس تدهور بيئة العمل الإنساني، وتحولها إلى مساحة محفوفة بالمخاطر، الأمر الذي يهدد استمرارية المشاريع الإغاثية والتنموية التي يعتمد عليها ملايين اليمنيين.

وقف المحاكمات الصورية
وقد جدد المركز الأمريكي للعدالة (ACJ) في بيان له دعوته جماعة الحوثي إلى وضع حد لملف الاعتقالات التعسفية، والإفراج الفوري عن جميع المعتقلين السياسيين والمخفيين قسرياً.. مطالبين بإنهاء حملات الاحتجاز التي تستهدف الأكاديميين والناشطين دون أي مسوغ قانوني، مؤكداً أن هذه الممارسات تشكل انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان وتهديداً لحرية الرأي والتعبير.

هذا وقد طالبت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات المجتمع الدولي بالتدخل العاجل لوقف المحاكمات الصورية التي تنفذها جماعة الحوثي، مؤكدة أن ما يسمى بـ”المحكمة الجزائية المتخصصة” في العاصمة اليمنية صنعاء فقدت شرعيتها منذ 2014، وأن أحكامها بحق المدنيين والمعارضين باطلة ومعدومة الأثر.

وأوضحت الشبكة أن الحوثيين حولوا القضاء إلى منصة سياسية لتصفية الخصوم عبر الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري وانتزاع الاعترافات تحت التعذيب، وصولاً إلى إصدار أحكام إعدام بحق ناشطين وصحفيين وأكاديميين.

خوف غير مبرر

من جانبها أكدت الناشطة الحقوقية والإعلامية سحر عبدالله ل” مراسلين” أن الممارسات التي تنتهجها جماعة الحوثي بحق العاملين المحليين في المنظمات الدولية بصنعاء تمثل انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان وللأعراف والقوانين الدولية، وأن موجة الاعتقالات المتواصلة تعبر عن خوف غير مبرر تمارسه الجماعة ضد أبناء الشعب اليمني، في محاولة لترهيب الأصوات المدنية والحد من العمل الإنساني.
ودعت إلى استمرار الجهود للضغط على المجتمع الدولي لاتخاذ موقف جاد وحاسم تجاه هذه الانتهاكات، مؤكدة أن الصمت أمامها يعني السماح بتوسع دائرة القمع وتراجع مساحة الحقوق والحريات في اليمن.

هذا وكانت سلطات الحوثي في شمال اليمن قد بدأت سلسلة من الاعتقالات المتواصلة منذ عام 2021 شملت موظفين في اليونيسف واليونيسكو ومفوضية حقوق الإنسان وبرنامج الأغذية العالمي، وازدادت وتيرة الاعتقالات بشكل أوسع في يونيو 2024 وإلى وقتنا الحالي طالت عشرات العاملين في منظمات أممية ودولية ومحلية وحتى نشطاء إعلاميين وحقوقيين وأكاديميين في صنعاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews