أطفال في الظل … العنف الجنسي المستمر وخفايا الطفولة الضائعة في السودان
أربعون عاماً من الصمت وألم طفولة مدفون

على امتداد أسابيع من العمل على هذا التحقيق حول التحرش بالأطفال في السودان كانت شبكة “مراسلين” تقترب من البيوت بقدر ما تقترب من الحقيقة، لم يكن الهدف مجرد جمع شهادات بل تفكيك صمت طويل يحيط بواحدة من أكثر القضايا حساسية في المجتمع. ومع كل باب نطرقه كانت تظهر حقيقة أكبر من المدارس والصفوف والفصول وخلاوي تحفيظ القرآن: أن التحرش بالأطفال ليس حادثة طارئة ولا بيئة واحدة، بل منظومة من الخوف والإنكار تمتد من البيت إلى الشارع ومن الأقارب إلى القرباء ومن الطفولة المبكرة إلى الذكريات التي يحاول أصحابها نسيانها فلا يقدرون ، ومصدر شرطي خاص بوحدة حماية الأسرة و الطفل السودانية يتحدث لـ مراسلين عن تقارير شديدة السرية لا يمكن أن تغادر جدران الوحدة خاصة للصحافة والمنظمات ،في وقت التزم فيه وكلاء النيابة الصمت التام.

تحقيق: نشوة أحمد الطيب – خاص مراسلين
أربعون عاماً من الصمت وألم طفولة مدفون..
خلال جمعنا للإفادات من أولياء الأمور في السودان كان التحقيق يأخذ مساره المعتاد أسئلة موجهة للأهالي ونقاشات حول الوقاية والمراقبة والتوعية، لكن امرأة في الأربعين من عمرها تحدثنا معها بصفتها ولية أمر، حولت الحوار إلى اعتراف لا يشبه أي شهادة سمعناها من قبل (أنا نفسي تعرض لهذا ولم أخبر أحد من قبل).
لم تكن تلك الجملة مجرد إفصاح عابر بل كانت بوابة إلى جرح ظل مغلقاً أربعين عاماً، طفلة في العاشرة من العمر تستدرج مرة بعد مرة على يد عمومة وجار وقريب ثم قرباء يختبرون ضعفها، قبل أن تنجو من محاولة اغتصاب تركتها مع سؤال واحد لم تجرؤ على طرحه طوال حياتها: هل ما زلت فتاة عذراء كما كنت؟
هذا الاعتراف لم يكن جزءاً من خطتها كما لم يكن جزءاً من أسئلتنا. لكن الحديث عن حماية الأطفال حرك طفلة صامتة فيها فأطلقت ما ظل حبيس الخوف، خوف من أم قد لا تصدق وخوف أكبر من مجتمع يحمل الضحية عبء ما أُرتكب ضدها.
تقول إن الخوف من ردة فعل الأسرة وغياب أي مساحة للحديث عن هذه الأمور جعلاها تصمت لسنوات طويلة واليوم بعد أربعين عاماً لا تزال أثار تلك التجارب حاضرة في حياتها، خوف من الرجال وعقداً نفسية ترافقها في كل علاقة، حتى أصبحت التجربة بالنسبة لها ظلاً لا يغادر.
ورغم ثقل ما حملته طيلة هذه السنوات خرجت بشهادة تحمل رسالة واضحة للأهالي: كونوا قريبين من أطفالكم تحدثوا معهم بلطف لا تتركوا طفلاً وحيداً مع أي شخص مهما كان قريباً، وافتحوا أمام أطفالكم باب الصراحة دون تهديد أو لوم.
ما قالته هذه المرأة لم يكن مجرد إفصاح شخصي بل إضاءة لزاوية مظلمة في ملف التحرش تكشف أن بين أولياء الأمور الذين نتوجه إليهم بحثاً عن الرأي.. قد يعيش بعضهم صمتاً أثقل من الكلام.

“شقيقي تحرش بابني و التزمت الصمت سنوات”
أدلت أم سودانية، طلبت حجب هويتها بالكامل في مقابل الحديث لنا، بإفادتها حول تعرض ابنها للتحرش وهو في سن السادسة على يد شقيقها، الذي كان تحت تأثير المخدرات (البنقو) في حينها. وأوضحت الأم أن الواقعة حدثت في “الديوان”، وهو مكان منفصل عن المنزل الشرعي ومخصص للضيوف في منزل والديها، حيث اعتاد الطفل الجلوس مع خاله لمشاهدة التلفاز ومتابعة كرة القدم.
وذكرت الأم أن صراخ ابنها استدعى تدخلها وتدخل شقيقتها، لتجد المشهد صادمًا، مؤكدة تعرض الطفل لانتهاك جسدي من قبل شقيقها الذي يصغرها سناً ما خلف أثرًا نفسيًا عميقًا، وأشارت الأم إلى ضغوط العائلة المحيطة، حيث نصحتها شقيقتها بعدم الحديث عن الواقعة لأي طرف خارجي، بحجة أن الإفصاح قد يؤدي إلى مواجهات عائلية خطيرة تنتهي بالقتل، وانفصال محتمل عن زوجها وفضيحة أسرية، مع التعويل على نسيان الطفل للحدث مع مرور الوقت. وأضافت المحدثة أن ابنها الآن بعمر 16 عاماً، ويعاني من آثار طويلة المدى على شخصيته وسلوكه، إذ أصبح انطوائيًا، سريع الانفعال، ويواجه صعوبات تعليمية. وأوضحت أنها ما زالت مجبرة على التعامل مع شقيقها بصورة طبيعية، على الرغم من إنكاره للواقعة ووصفه لها بالمبالغ في ردودها (مجنونة) على حد قولها حين تحاول مواجهة الأمر.
وقالت في حديثها لـ (مراسلين) أنها لم تملك القوة والجرأة لتاتي بحق ابنها وهو في صغره ولن تضيع ما بقي منه الآن في كبره، مؤكدة أن الحديث عن هذا الواقعة الآن سوف يقود ابنها إلى إيذاء نفسه وقد يصل الأمر إلى الانتحار وأكدت الأم أن قصتها تسلط الضوء على الحاجة الماسة لزيادة الوعي المجتمعي حول حماية الأطفال، وتوفير الدعم النفسي للأسر المتضررة، بالإضافة إلى تعزيز آليات الوقاية والتبليغ داخل المجتمع السوداني لضمان عدم تكرار مثل هذه الانتهاكات و ختمت حديثها برسالة للأمهات (تحدثوا عما يحدث مع أطفالكم في لحظة وقوع الحادثة قبل فوات الأوان) .
مجتمع لا يشجع على التبليغ..
عزيزة سليمان آدم ولية أمر من ولاية كسلا أكدت في حديثها لـ (مراسلين) حول مخاوف الأهل وسلامة الأطفال أن هناك علامات واضحة يمكن ملاحظتها على الأطفال عند تعرضهم لمواقف مؤذية مشيرة إلى أنها تعرف كيفية التعرف على تغيير سلوكهم كرد فعل لأي إساءة
وعن الأماكن التي تراها غير آمنة للأطفال ذكرت عزيزة أن البيوت التي تخلو من أسر أو بيوت العزاب تشكل بيئة محفوفة بالمخاطر نظراً لما تراه من سلوكيات غير لائقة من المجتمع المحيط مما قد يعرض الأطفال للتحرش أو الإيذاء.
وأضافت أنها سمعت حول حوادث مشابهة في محيط المدرسة والحي والأسرة مما يزيد من قلقها عن سلامة الأطفال.
وقالت إن أبرز مخاوفها اليومية خشيتها لتعرض الأطفال للتحرش أو الاغتصاب مؤكدة أن المجتمع لا يشجع على التبليغ بل يدفع نحو الصمت خوفاً من التأثير على السمعة.
التعاون الأسري.. خط الدفاع الأول..
ن.ح. من احدى مدن ولاية النيل الأبيض السودانية، أحد أولياء الأمور الذين تحدثت إليهم شبكة “مراسلين” أكدت أن حماية الأطفال أصبحت أولوية ملحة في ظل تدهور الأوضاع الاجتماعية وانتشار حوادث التحرش في المحيط المجتمعي.
وأشارت إلى أن علامات تعرض الطفل للأذى تتضمن الشارد الذهن، العدوانية، اضطرابات النوم، وفقدان الشهية، مطالبة الأهل بالانتباه لهذه المؤشرات.
وحذرت ن.ح. من الأماكن العامة غير المراقبة التي يترك فيها الأطفال دون إشراف، مؤكدة ضرورة التحدث مع الأطفال لتعليمهم قواعد السلامة الشخصية، كالابتعاد عن الغرباء وعدم أخذ أي شيء منهم وعدم البقاء بمفردهم في مكان خالٍ.
وأكدت أن الإبلاغ الفوري عن أي حادثة تحرش، سواء للشرطة أو وزارة الشؤون الاجتماعية أو حماية الطفل، أمر حاسم لضمان محاسبة الجاني، حتى لو كان من الأسرة.
وأضافت أن الدعم النفسي والمعنوي للأسر المتضررة هو عنصر أساسي لمواجهة هذه الجرائم وحماية الأطفال.
اختتمت بالإشارة إلى أن الوعي المجتمعي والتعاون بين الأسرة والمدرسة والجهات الرسمية يمثل الخط الدفاعي الأول للحد من العنف والتحرش بالأطفال.
مصدر شرطي: هناك ملفات شديدة السرية بوحدة الأطفال لا يمكن أن تغادر جدران القسم خاصة للصحافة والمنظمات الدولية..

كشف مصدر شرطي رفيع داخل وحدة حماية الأسرة والطفل لـ (مراسلين) عن ارتفاع مقلق في بلاغات الاعتداءات الجنسية والتحرش ضد الأطفال خلال الأعوام الأخيرة، مشيراً إلى أن الجناة يتنوعون بين بائعي الدكاكين والمدرسين الخصوصيين وشيوخ الخلاوى، وهي أنماط باتت تتكرر بصورة لافتة وتستدعي تدخلاً واسعاً، ووفق المصدر، تُعامل هذه القضايا بموجب مواد قانونية مشددة تشمل الاختطاف (45 أ)، والاغتصاب (45 ب)، والتحرش (45 ج). وتُوثّق البلاغات في تقارير يومية وأسبوعية وشهرية وسنوية تحفظ داخل الوحدة بسرية تامة، ولا يُسمح بالاطلاع عليها نظراً لحساسية المعلومات وخطورتها والوصول إليها شيه مستحيل إذ تتمتع بخصوصية عالية ولا يتم تداولها خاصة مع الصحافة أو المنظمات الخارجية ولا يمكن التصريح بها ولو بالتقريب، وأكد المصدر أن الشرطة تحرّك إجراءاتها مباشرة بمجرد تحديد نوع البلاغ وقال المصدر أنه تؤخذ إفادات الأطفال في بيئة مُهيأة تراعي الجانب النفسي. وأوضح المصدر أنه عند الاشتباه في أحد الأقارب، يتم القبض عليه فوراً، إما بحبس كامل أو بالإفراج بضمانة مع التعهّد بعدم الاقتراب من الطفل.

المدارس… بين الصمت ومحاولات الحل الداخلي
أشار المصدر إلى أن التبليغ المباشر من المدارس نادر، إذ يلجأ معظمها لمحاولات التسوية الداخلية خشية التأثير على السمعة، بينما تأتي غالبية البلاغات عبر أولياء الأمور، ما يعرقل مسار العدالة في مرحلة مبكرة، وأفاد المصدر بأن الوحدة تعاملت مع قضايا وُصفت بـ “بالغة الخطورة”، من بينها: تنفيذ حكم الإعدام بحق مؤذن مسجد في السامراب بعد إدانته باغتصاب طفل. صدور حكم بالإعدام ضد أستاذ في معاهد التعليم البريطانية لإدانته في جريمة مماثلة.
وأشار إلى أن هذه الأحكام – رغم محدوديتها – تؤكد حجم الخطر الذي يهدد الأطفال
حادثة صادمة: اغتصاب فتاة من ذوي الاحتياجات الخاصة أثار صدمة بين رجال شرطة الوحدة الحاضرين للبلاغ..
عرض المصدر الشرطي مثالاً لبلاغ شديد التعقيد يتعلق بفتاة من ذوي الاحتياجات الخاصة جيء بها لمركز الشرطة في حالة يصعب على العقل تصديقها على حد قوله وأن رجال الشرطة حينها لم يتمالكون نفسهم من هول المشهد تعرضت الفتاة لجريمة اغتصاب كامل تسبب خلف أضرار جسدية جسيمة بأعضائها الداخلية وأكد أن المباحث نجحت في القبض على الجاني، لكن النيابة أطلقت سراحه بعد تقديم أسرته تقارير تفيد بمعاناته من اضطرابات نفسية، بينما لم تُكمل أسرة الضحية إجراءات المتابعة، لينتهي البلاغ بالحفظ.
تراجع وحدة حماية الأسرة بعد الحرب..
ذكر المصدر أن الوحدة التي كانت تعمل منذ 2015 بنظام متكامل يضم دعماً نفسياً وطبيباً ووكيل نيابة داخل القسم، تضررت بصورة كبيرة بعد الحرب، حيث توقفت معظم الأقسام في الخرطوم، وأصبحت البلاغات تُحوَّل إلى مراكز الشرطة العامة للحفظ دون متابعة.
وأشار إلى معوقات أخرى، منها نقص العربات والآليات، واعتماد معظم المقرات على الإيجار، إضافة إلى أن الموقع المصدق بشرق النيل يقع في منطقة غير مناسبة وتمثل وكر للجريمة في حد ذاته.
العقوبات والتسويات ومحاولات الإفلات..
أكد المصدر الشرطي أن عقوبات السجن هي الأكثر تنفيذاً، بينما أحكام الإعدام – رغم صدورها – نادرة التنفيذ. وشدد على أن الشرطة لا تقبل أي تسويات مالية، وتُحيل القضايا للنيابة والمحكمة، غير أن قبول بعض القضاة للتسويات يؤدي أحياناً إلى إنهاء الإجراءات، وتابع المصدر في حديثه لمراسلين أنه تُجرى دراسات حالة نفسية واجتماعية للأطفال الضحايا، وفي حال كان الجاني طفلاً، يخضع لتقييم مشابه. أما المتهمون البالغون الذين تُثار حولهم شبهات نفسية، فيُعرضون على لجنة متخصصة.
وأوضح أن الوحدة كانت تقدّم برامج توعية ومحاضرات في المدارس والمراكز، إضافة إلى تدريب مستمر للضباط، غير أن هذه الأنشطة توقفت بعد الحرب، مما زاد من هشاشة الواقع.
توعية الطلاب بأساسيات السلامة..
وائل محمد علي بلال، معلم بمدرسة الشفيع شرف الدين الخاصة في الخرطوم بحري، أكد في حديثه لـ (مراسلين) أن الوعي بخطورة التحرش والأذى النفسي والجسدي للطلاب في المدارس ما يزال منخفضًا.
وأضاف أن المدارس لا تتلقى بلاغات كثيرة من الطلاب بسبب خوفهم وغياب التوعية الأسرية حول كيفية التصرف عند التعرض لأي أذى.
وأشار وائل إلى أن المدارس تلجأ في حالة وقوع حادثة إلى استدعاء ولي الأمر لمناقشة الموقف والاتفاق على معالجات، كما تتواصل مع ولي الأمر إذا كان الموضوع خارجياً، وتباشر التحقيق داخلياً إذا كان الحدث داخل المدرسة.
وصف المعلم البيئة المدرسية بأنها غير آمنة بسبب نقص عدد المعلمين للمراقبة، وغياب الموظفين المختصين بالحماية وعدم وجود كاميرات، مؤكدًا أن توفر هذه الاحتياطات سيحول المدارس إلى بيئة آمنة.
وأضاف أن الصمت لدى الطلاب تجاه الأذى ناتج عن الخوف وانعدام التوعية، مشيرًا إلى أن أبرز العلامات على تعرض الطلاب لمشاكل هي التشتت، الاضطراب، الخوف، والبكاء خصوصًا لدى البنات.
وأكد وائل على ضرورة توعية الطلاب بأساسيات السلامة الشخصية أولاً، ثم تعليمهم كيفية التصرف في حال وقوع أذى مثل التنمر أو التحرش، لضمان حماية الأطفال داخل المدارس وخارجها.
مرشدين تربويين متخصصين..
أكدت مجموعة المنهل التعليمية، ضمن المؤسسات المشاركة في إعداد التحقيق، التزامها بحماية الأطفال وتعزيز رفاههم النفسي والاجتماعي، معتبرة ذلك أحد الركائز الأساسية لرسالتها التربوية.
وأوضحت المدرسة أن برامجها وأنشطتها الخاصة بحماية الأطفال تشمل التوعية بحقوق الطفل، السلامة الشخصية، وطرق التعامل الواعي مع المخاطر، إلى جانب دمج قيم الحماية داخل الأنشطة والمناهج المدرسية. كما أشارت المنهل التعليمية إلى تنفيذ برامج تدريبية دورية للمعلمين والكوادر الإدارية حول مبادئ حماية الطفل، مهارات التدخل المبكر، وآليات التبليغ والمعالجة السلوكية، مع اعتماد دليل إجرائي رسمي يوجه هذه العمليات داخل المدرسة.
وحول إجراءات السلامة داخل المدرسة، أكدت الإدارة اعتماد نظام إشراف دقيق في الممرات والساحات، وتركيب كاميرات مراقبة تغطي كافة مناطق المدرسة لضمان متابعة آنية وتقليل المخاطر.
كما يتم تنفيذ خطط إخلاء دورية للطوارئ، وفحص وصيانة مستمرة لمرافق ومخارج السلامة. ولفتت المدرسة إلى تعاونها مع الجهات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني المختصة بحقوق الطفل، بما في ذلك شرطة حماية الطفل، لتعزيز القدرة على التدخل السريع وتقديم استشارات وقائية وتوعوية. كما توفر المدرسة بيئة داعمة وآمنة للطلاب من خلال مرشدين تربويين متخصصين، وبرامج اجتماعية لتعزيز الثقة والاندماج، مع تفعيل قنوات اتصال فعّالة مع أولياء الأمور لضمان متابعة مشتركة ومستمرة. واختتمت مجموعة المنهل التعليمية بالإشارة إلى التزامها المستمر بترسيخ ثقافة حماية الطفل، وتطوير السياسات والممارسات التي تضمن بيئة تعليمية سليمة وآمنة لجميع الطلاب.

غياب استجابة المؤسسات الرسمية يترك أسئلة بلا إجابات حول حماية الأطفال في السودان..
خلال إعداد هذا التحقيق، حاولنا في مراسلين التواصل مع الجهات المختصة بحماية الطفل في السودان، بما في ذلك منظمة رعاية الطفولة السودانية والمجلس القومي لرعاية الطفولة ومكتب اليونيسف في السودان. أرسلنا خطابات رسمية عبر البريد الإلكتروني، وتواصلنا أيضًا عبر حساباتهم المعتمدة على منصات التواصل الاجتماعي، لكننا لم نتلقَّ أي رد حتى لحظة النشر. كما تواصلنا مع المكتب الإعلامي لمنظمة تنمية الأطفال في السودان الذي وعد بربطنا بالمسؤولين المعنيين، غير أن هذا التواصل لم يكتمل، ولم تصلنا أي إفادة رسمية منهم.
إن غياب الردود من المؤسسات العاملة في مجال حماية الطفل يحرمنا من الاستماع لروايتها الرسمية، ويبرز الحاجة إلى قدر أكبر من الشفافية والتعاون في القضايا المتصلة بسلامة الأطفال وحقوقهم في السودان.
رصد مبنى على التقارير الدولية والإعلامية لحوادث الاعتداء على الأطفال في السودان (2023_2025)..

في إطار تتبعنا لحوادث الاعتداء الجنسي على الأطفال في السودان خلال الأعوام 2021_2025 أجرينا رصداً اعتمد على كل ما أمكن جمعه من المصادر المتاحة واستند على تقارير دولية صادرة من منظمات أممية ومتابعة دورية لوسائل إعلام محلية وما وثقته جهات إغاثية عاملة داخل البلاد ورغم غياب الإحصاءات الرسمية الشاملة فإن المعطيات المتوفرة تكشف عن واقع مقلق يستدعي التدخل العاجل، وأبر ما تم رصده:
ـ وفق تقارير صادرة عن يونسيف سجلت منذ مطلع 2024 عدد 221 حالة اغتصاب أطفال في السودان و77 حالة اعتداء جنسي أو محاولة اغتصاب.
ـ شكلت الفتيات نحو 66% من الضحايا والفتيان 33% يواجهون تحديات فريدة في الإبلاغ بينما سُجل أكثر من 16 طفلاً دون سن الخامسة ضمن الحلات بينهم أربعة رُضع بعمر سنة واحدة.
ـ الحوادث الموثقة موزعة على تسع ولايات سودانية ما يشير إلى انتشار جغرافي واسع لا يرتبط بمنطقة بعينها.
ـ رصد الإعلام المحلي حوادث بارزة من بينها: حادثة اغتصاب طفلة بعمر 7 سنوات على يد معلم في إحدى مدارس الخرطوم (2023)، حادثة اعتداء معلم تربية إسلامية على تلميذة بعمر 8 سنوات بمدينة الأبيض (2025) وسط شهادات عن سوابق تحرش لم يحاسب عليها الجاني، حادثة منفصلة لاعتداء على طفلة 6 سنوات في الولاية والعام نفسه.
وتشير التقارير الحقوقية إلى أبرز حالة تحرش واغتصاب جماعية استهدفت أطفالاً في خلاوي تحفيظ القرآن في السودان في أوائل عام 2022 تضمنت اتهامات لمعلم (شيخ خلوة) باغتصاب نحو 10 أطفال في احدى خلاوي تحفيظ القرآن في غرب السودان
تمثل الحالات الموثقة الجزء المرئي فقط من واقع أكبر بفعل الخوف من الوصمة وصعوبة الإبلاغ والتدهور الأمني والخدماتي.
جهود دولية..
أنشأ مجلس حقوق الإنسان الأممي بعثة دولية مستقلة لتقصي الحقائق في السودان في أواخر 2023 لتوثيق الجرائم بما فيها العنف الجنسي ضد الأطفال بهدف ضمان المحاسبة مستقبلاً أما المحاكم الدولية، وتركز المنظمات الدولية على ألية حماية عبر توفير مراكز أمنة للدعم الطبي والنفسي والقانوني للناجين بدلاً من الملاحقة القضائية المباشرة التي أصبحت متعذرة بسبب الحرب في السودان.

محامي: القانون صارم لكن الجهل الاجتماعي يهدد حماية الأطفال في السودان..
أكد رئيس الإدارة القانونية للمنظمة الوطنية لحماية الطفولة المحامي السوداني مجاهد عثمان، أن قانون الطفل لسنة 2010 يمثل الإطار القانوني الشامل لحماية الأطفال من جميع أشكال الاعتداء، سواء كان جسدياً أو نفسياً، بما في ذلك التحرش والاغتصاب.
وأوضح عثمان أن القانون تناول الجرائم بوضوح في المادة 45:
الفقرة أ: قتل الطفل، وتُعاقب بالإعدام.
الفقرة ب: اغتصاب الطفل، ويعاقب بالإعدام أو بالسجن المؤبد.
الفقرة ج: التحرش بالطفل، ويُعاقب بالسجن لمدة لا تتجاوز 15 سنة.
وأكد المحامي عثمان أن هذه العقوبات تشكل رادعاً قانونياً شديداً، إلا أن انتشار الجريمة يبقى واسعاً، ما يستدعي معالجات إضافية على الصعيد الاجتماعي والأسري، وإجراء الدراسات اللازمة لمعالجة الأسباب الجذرية.
وأشار عثمان إلى أن أول عقبة أمام تحقيق العدالة هي الأسر نفسها، إذ أن بعض الأسر تختار الصمت خوفاً من الفضيحة، ما يحمي الجاني ويزيد من انتشار الجريمة. كما أن القصور أحياناً في التحري، وعدم توفر إجراءات الفحص الطبي الكامل في بعض الولايات، وعدم إدراك الأسر لحقوقها القانونية، تؤدي إلى طمس الأدلة وإضعاف الإثبات، مثل قيام الأم بتحميم الطفل قبل فحصه الطبي، ما يُعيق جمع الأدلة الجنائية الحيوية.
وتناول المحامي عثمان الفجوة الاجتماعية قائلاً إن توعية المجتمع والطفل واجبة وضرورية، مع ضرورة تقديم العلاج النفسي والطبي للضحايا، لتجنب انعكاسات نفسية وسلوكية طويلة الأمد قد تؤدي إلى انتشار الجريمة أو تحويل الضحايا مستقبلاً إلى جناة.
وعن الإجراءات العملية، أوضح عثمان أن التحري مع الأطفال يتم عبر المرشد أو الباحث الاجتماعي، وهو ما شكّل نقطة تحول مهمة في القانون السوداني، مشيداً بأن ضباط شرطة حماية الأسرة والطفل لا يرتدون الزي العسكري الرسمي، لتجنب تخويف الأطفال أثناء الإفادات، وهو جانب متميز في التشريع الوطني.
وعن العقبات المجتمعية، أكد عثمان أن أكبر التحديات تكمن في الجهل العام ونقص التوعية، داعياً إلى حملات تثقيفية على كافة الأصعدة، تشمل الأسر والمدارس والبيئات العامة، لضمان حماية الأطفال من الانتهاكات.
وحول أخطر حالات الاغتصاب، شدد عثمان على أن غالبية الجرائم ترتكب داخل الأسرة أو من أشخاص مقربين للطفل، نادراً ما يكون الجاني غريباً. وأوضح أن هذا الواقع يزيد من صعوبة التبليغ، نتيجة الصمت والخوف من الفضيحة.
وأكد عثمان أن هناك نيابات متخصصة ومحاكم أطفال، بالإضافة إلى وجود شرطة حماية الأسرة والطفل، لكنها بحاجة إلى دعم شامل لإتمام مهامها بفعالية.

وكلاء النيابة يلتزمون الصمت ويتحفظون على الإفصاح حول قضايا الأطفال
تواصلت شبكة “مراسلين” مع عدد من وكلاء النيابة بمختلف درجات المناصب المختصين بقضايا الطفل في السودان إلا أن جميعهم رفضوا الإدلاء بأي تصريحات للصحافة بتوجيهات من النائب العام في السودان ، و البعض الآخر تعذر بالانشغال الدائم على الرغم من منحهم الزمن الكافي للإجابة على تساؤلات التحقيق لفترة تجاوزت الأسبوع .



