تقارير و تحقيقات

قمة نسوية ثامنة ترسم ملامح السلام والعدالة في اليمن

منال أمين – خاص مراسلين

في جنوب اليمن ، تحديداً مدينة عدن، العاصمة المؤقتة لليمن، اجتمعت أكثر من 240 امرأة من مختلف المدن اليمنية ضمن أعمال القمة النسوية في نسختها الثامنة، في حدث حمل بعداً استثنائياً بالنظر إلى الواقع السياسي والأمني والاقتصادي غير المستقر الذي تعيشه البلاد.

استهدفت القمة بلورة رؤية واضحة لإدماج النساء في صناعة السياسات العامة المتصلة بالسلام والعدالة والأمن الإنساني، انطلاقاً من أن المرأة تمثل أحد أهم مفاتيح الاستقرار المجتمعي وإعادة البناء.

القمة التي نظمتها مؤسسة وجود للأمن الإنساني بالشراكة مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة (UN-Women) وبدعم من سفارة مملكة هولندا، امتدت على مدار يومين، وتناولت حزمة واسعة من القضايا.

شملت المناقشات جهود الأمم المتحدة لبناء عملية سلام شاملة والضمانات اللازمة لتنفيذها، إضافة إلى اقتصاد السلام، والحراك النسوي، وتأثيرات التغير المناخي، و إلى دور المرأة في العدالة الانتقالية، ومعاناة ضحايا الألغام، وقضايا حقوق الإنسان، ومستويات العنف ضد النساء، بما في ذلك العنف الرقمي.

عدالة تبنى بالنساء
كل تلك القضايا التي نوقشت، بتفاصيلها المتعددة، عكست اهتمام المشاركات بتعزيز مكانة المرأة اليمنية ودورها في مواجهة التحديات المجتمعية، وبناء مسارات أكثر أمناً وعدلاً لجميع فئات المجتمع.

مها عوض رئيسة مؤسسة وجود للأمن الإنساني، ومنسقة القمة النسوية بنسختها الثامنة، توضح لشبكة مراسلين أن انعقاد القمة يأتي بالتزامن مع حملة الـ16 يوم لمناهضة العنف ضد المرأة، وفي وقت تواجه فيه المدافعات عن الحقوق ضغوطاً متصاعدة، وتتراجع فيه مشاركة النساء في مواقع القيادة محليا وعالمياً، رغم أهمية تنفيذ أجندة المرأة والسلام والأمن، ومنهج عمل بيجين، واتفاقية “سيداو”، وأهداف التنمية المستدامة.

واكدت أن رغم استمرار اليمن في قاع مؤشر الفجوة العالمية بين الجنسين التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي لمدة 14 عام، مازالت المرأة تواصل جهودها ودورها الحيوي في العديد من المنظمات المجتمع المدني النسوية في تعزيز السلام والدفاع عن الحقوق، وإن تمكين النساء في صنع القرار ليس مطلباً رمزياً، بل ركيزة أساسية لبناء سلام عادل وشامل.

رؤى حكومية داعمة

في ذات السياق، أكدت الدكتورة شفيقة سعيد، رئيسة اللجنة الوطنية للمرأة، لشبكة مراسلين، أن المنصات الحوارية التي توفرها القمة تسهم في بلورة رؤى واضحة لمعالجة التحديات الراهنة المرتبطة ببناء السلام والاقتصاد، بما في ذلك اقتصاد الحرب والسلام، مشيرةً إلى الدور المحوري الذي تضطلع به المرأة في التصدي لهذه القضايا وتأثيرها المباشر على المجتمع.


وأضافت أن مشاركة اللجنة الوطنية للمرأة في أعمال القمة تعكس حرص الدولة على دعم جهود تمكين المرأة وتعزيز شراكتها في صناعة القرار، باعتبار ذلك خطوة أساسية لضمان تحقيق العدالة والاستقرار للنساء اللواتي ما زلن يواجهن التهميش وأشكالًا متعددة من العنف.

إلتزام محلي ودولي
شهدت القمة إلقاء العديد من الكلمات التي أكدت في مجملها على استمرار الدعم الدولي لمشاركة النساء في صنع السلام والاستقرار في اليمن .

حيث أكدت السكرتيرة الأولى في سفارة هولندا، ينتا فليدمان، في كلمتها التي ألقاتها في القمة على التزام بلادها بأجندة المرأة والسلام والأمن، و استمرار دعم مشاركة النساء في بناء مستقبل أكثر استقرارًا لليمن.

وقالت:” إن النساء اليمنيات، رغم الظروف القاسية، يواصلن العمل بإصرار لإحداث تغيير إيجابي، مشددة على أهمية توفير مساحات نسوية آمنة لخلق روابط متينة بين النساء والرجال لمناقشة القضايا الملحة”ذض.

من جانبها دعا المنسق المقيم للأمم المتحدة، جوليان هارنس، إلى توسيع مشاركة النساء في بناء السلام والاستثمار في مهاراتهن وخبراتهن، مؤكدًا دعم الأمم المتحدة للآليات والمنظمات الهادفة لتعزيز دور النساء وزيادة حضورهن في المبادرات والمشاورات.

واكدت ممثلة هيئة الأمم المتحدة للمرأة، دينا زوربا، أنه لا يمكن الحديث عن السلام أو العمل الإنساني دون نساء اليمن، و أن اللحظة السياسية والاجتماعية والاقتصادية الراهنة تتطلب اتخاذ قرار شجاع يضمن إشراك النساء في مراكز صنع القرار وحمايتهن من جميع أشكال العنف.

واكدت رئيسة تحرير منصة “يمن فيوتشر” ثريا دماج، أن مدنية عدن كانت وما تزال مدرسة كبرى للحداثة والمساواة، خرج منها جيل من النساء صانعات الضوء، و أن المرأة اليمنية لم تكن يوماً هامشاً، بل طائر الفينيق الذي ينهض كلما أُريد له السقوط.

الشريحة الاكثر تضرراً
قالت القاضية إشراق المقطري، عضو اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن، في تصريح لشبكة مراسلين، إن مسارات العدالة الانتقالية ستظل ناقصة وغير مكتملة ما لم تدرج النساء في صلبها.

وأوضحت أن النساء هن الشريحة الأكثر تضررًا من النزاعات الدائرة في البلاد، مؤكدة أن تغييب إنصافهن يقوض فرص بناء سلام عادل ويضعف قدرة المجتمع على التعافي وإعادة ترميم نسيجه الاجتماعي.

جهود بناء السلام
من جانبها، أفادت الصحفية فاطمة رشاد، مراسلة وكالة المرأة العربية وإحدى المشاركات في القمة النسوية الثامنة، لشبكة مراسلين، بأن القمة شكلت مساحة مهمة لبحث سبل تعزيز دور المرأة في الملفات المرتبطة بواقع البلاد، سواء في الجوانب السياسية أو الاقتصادية أو الحقوقية، وان هذه القمة تناولت بشكل موسع أهمية إشراك النساء في جهود بناء السلام، باعتبار مشاركتهن شرطًا أساسياً لإرساء استقرار مستدام وصياغة سياسات أكثر شمولاً وعدالة.

واكدت أن تعزيز حضور المرأة في هذه المرحلة خاصة في العمليات التفاوضية وصنع القرار لم يعد خيارًا ثانوياً، بل ضرورة لضمان مستقبل أكثر أمنًا واستقرارًا للبلاد.

مع اختتام فعاليات أعمال القمة، شددت المشاركات على أهمية إشراك النساء في آليات العدالة الانتقالية بوصفهن شريكات أساسيات في صناعة السلام ومعالجة آثار الصراع، كما دعون إلى الإسراع في إقرار الاستراتيجية الوطنية للحد من الكوارث، وضرورة دمج النساء في مراحل إعدادها وتنفيذها، باعتبار ذلك خطوة محورية لإصلاح البيئة العدلية وتعزيز كفاءة الاستجابة الوطنية لمختلف التهديدات الإنسانية.

لتختتم القمة أعمالها برسالة مفادها أن السلام العادل في اليمن يبدأ من الاعتراف بحق النساء في المشاركة وصنع القرار، وحمايتهن من العنف، وتمكينهن من قيادة التغيير الذي ينتظره المجتمع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews