خمس سنوات بين الحياة والغيبوبة: مأساة طبيبة سودانية في شمال المملكة العربية السعودية تنتظر إنقاذًا طبيًا

نشوة أحمد الطيب ـ مراسلين
معلومات صادمة تُنشر للمرة الأولى: والد الطبيبة نهال يروي عبر مراسلين ما حدث داخل غرفة العمليات ويوجّه نداء رحمة إلى الديوان الملكي السعودي..
في لحظةٍ واحدة، قد يتحوّل الطب من وعدٍ بالحياة إلى امتحانٍ قاسٍ للإنسانية، فالأخطاء الطبية، حين تقع لا تتوقف عند حدود غرفة العمليات، بل تمتد آثارها الثقيلة إلى المريض، وأسرته، وكل تفاصيل العمر اللاحقة. خطأ واحد قد يسلب إنسانًا وعيه، ويحوّل فرحة الولادة إلى انتظارٍ طويل بلا نهاية، ويترك عائلة كاملة معلّقة بين الرجاء والخوف.
هذه ليست حكاية مرضٍ عابر، بل مأساة إنسانية ممتدة لخمس سنوات، بدأت من سرير ولادة وما زالت فصولها مفتوحة، في غياب إجابات حاسمة، وانتظار تدخل يعيد للطب معناه الأول: إنقاذ الحياة.
في صباحٍ عادي قبل خمس سنوات مضت، خرجت الدكتورة السودانية نهال مسعود محمد عبيد من منزلها في مدينة الخفجي، الواقعة في أقصى الشمال الشرقي من المملكة العربية السعودية، متجهة إلى المستشفى الأهلي بالخفجي لإجراء عملية قيصرية مقررة لولادتها الثالثة. لم يكن في ذلك الصباح ما يوحي بأن حياتها ستتوقف عند تلك اللحظة، وأن مصير أسرة كاملة سيتغير إلى الأبد.
كانت نهال، وهي طبيبة أخصائية مختبر تعمل في مستشفى (KGO)، مقيمة في المملكة منذ سنوات طويلة، ومعروفة بحبها للمكان الذي عاشت فيه وانتمائها لمجتمع الخفجي. وبحسب ما رواه والدها مسعود محمد عبيد في حديث خاص لشبكة مراسلين، فقد كانت ابنته في صحة جيدة جدًا، تمشي على قدميها دون عناء، وتتحدث بصورة طبيعية قبل دخولها المستشفى.

يقول والدها:
“تواصلت معي عبر اتصال فيديو وأنا في السودان، كانت هادئة ومطمئنة، وقالت لي: يا أبوي، قمت بتسريح شعر بناتي وجهزت نفسي، ومتوكلة على الله وذاهبة الآن لإجراء العملية القيصرية… بس ادعوا لي يا والدي”
غير أن ذلك الحديث، كما يروي، حمل إحساسًا داخليًا غامضًا لم يفارقه حتى اليوم.
“قالت لي: والله يا أبوي أنا شاعرة أني سأكون حية كالميتة… ولو حصل لي أي شيء، أريد أولادي كلهم يكونوا في مكان واحد”.

ما قبل الإفاقة… وأسئلة معلّقة داخل غرفة العمليات..
وفي تطور بالغ الحساسية، كشف والد الدكتورة نهال، للمرة الأولى، عن معلومة محورية لم يُفصح عنها سابقًا، نقلها إليه أحد أفراد الأسرة الذين حضروا لحظة الولادة.
يقول الوالد:
“قال لي أحد الذين حضروا الولادة من الأسرة إن البنج لم يكن قد فُكّ بعد، ومع ذلك حصل لها توقف في القلب. وهنا يبرز السؤال الخفي: ماذا حدث لها أثناء العملية نفسها؟”
ويضيف موضحًا:
“هذه أول معلومة مؤكدة وصلتنا، أن توقف القلب وقع وهي في طريقها للخروج من غرفة العمليات، بينما كانت لا تزال تحت تأثير التخدير. والمفترض طبيًا أنها لا تُخرج من غرفة العمليات إلا بعد استقرار حالتها وتصحيح أي طارئ”.
ويتابع:
“هذه المعلومة لم أكشف عنها حتى الآن، لكنها تفتح بابًا واسعًا للتساؤل حول ما جرى داخل غرفة العمليات، قبل نقلها، وحول ما إذا كانت هناك مؤشرات مبكرة لم يتم التعامل معها في وقتها”.
لحظة التحول..
دخلت نهال غرفة العمليات، وأُجريت لها العملية القيصرية، ووضعت مولودها الثالث. غير أنها، بحسب شهادة والدها، لم تُمنح فرصة رؤية طفلها أو احتضانه. بعد الولادة، وبحسب ما توافر للأسرة لاحقًا من معلومات، أُعطيت إبرة مسكنة للألم تُعرف باسم «زيفو»، وهي إبرة عضلية، إلا أنه يُشتبه – وفق رواية الأسرة – في إعطائها عن طريق الوريد، في وقتٍ كانت تعاني فيه من اضطراب في نظم القلب.
ويؤكد والدها أن الروايات الطبية التي تلقّتها الأسرة ظلت متباينة وغير مكتملة.
«لم نتلقَّ رواية واحدة واضحة… كل مرة نسمع شيئًا مختلفًا».
وبحسب الإفادة الطبية التي اطّلع عليها لاحقًا، فإن قلب نهال توقف أثناء نقلها بعد العملية.
«قيل لنا إن القلب توقف وهي في الطريق إلى غرفتها، لكنها لم تكن قد دخلت الغرفة أصلًا، وكانت قبل ذلك تتحرك وتتحدث».
من غرفة الولادة إلى العناية المركزة..
نُقلت نهال إلى غرفة العناية المكثفة، وبقيت تحت الأجهزة الطبية. في الساعات الأولى، طمأن الأطباء الأسرة بأن حالتها ستتحسن.
«كانوا يقولون لنا: غدًا ستكون بخير… بعد غد ستكون أفضل».
لكن الأيام مرّت، واتضح أن ما حدث لم يكن مضاعفات عابرة، بل إصابة دماغية خطيرة نتيجة توقف القلب لفترة طويلة أثّرت على خلايا المخ. شُخّصت حالتها لاحقًا بأنها غيبوبة إنباتية.
رعاية بلا تأهيل..
خلال الأيام والأسابيع الأولى، اقتصرت الرعاية الصحية على إبقائها على قيد الحياة داخل العناية المركزة، دون برنامج علاج تأهيلي فعلي.
“كانت فقط تحت الأجهزة”، يقول والدها.
ومع مرور السنوات، بدأت المضاعفات تظهر بوضوح. أُصيبت نهال بقرح سريرية، رغم أن والدها ظل ملازمًا لها قرابة عامين كاملين.
«القرح لم تُعالج كما يجب، وأنا أخشى أن تسبب لها مضاعفات خطيرة».
كما تعاني اليوم من تيبّس شديد في اليدين والرجلين نتيجة الرقود الطويل المستمر طوال خمس سنوات دون علاج طبيعي أو تأهيل حركي.
«الأطراف بدأت تتصلب… خمس سنوات دون جلوس أو حركة».

أم لم ترَ طفلها..
لم ترَ نهال طفلها الذي أنجبته يوم العملية. الطفل الذي أصرّت على تسميته قبل دخولها غرفة العمليات.
“قالت لي: سمّوه يحيى… ليحيى”.
كبر يحيى اليوم، وهو في الخامسة من عمره، دون أن يعرف أمه.
«نشأ بلا أم… لا يعرفها، خالته هي التي تولت رعايته منذ أيامه الأولى».
خمس سنوات من الصبر وطرق الأبواب
على مدى خمس سنوات، طرق والد نهال كل الأبواب الممكنة. خاطب الديوان الملكي السعودي مرتين، وتواصل مع وزارة الصحة السعودية، وراسَل مجلس السيادة في السودان، دون استجابة عملية.
“لم أجد صدى حقيقيًا”، يقول بأسى.
الاستجابة الوحيدة جاءت من سفارة السودان عند انتهاء صلاحية جواز سفر نهال، حيث تدخلت لاستخراج جواز جديد لها.
معاناة الإقامة والزيارة..
تفاقمت معاناة الأسرة بسبب الوضع القانوني. فنهال كانت هي المعيلة، وهي من كانت تستخرج الزيارات لأفراد أسرتها.
يقول والد نهال بجانب وضع ابنتي تواجهنا الآن “مشكلة الإقامة… إذا غادرت السعودية لا أستطيع العودة لرؤية ابنتي”.
ويضيف:
«لا نطلب امتيازات، فقط إقامة إنسانية تتيح لنا البقاء بجوارها ما دامت منومة في مستشفيات المملكة».
نداء إنساني إلى الديوان الملكي السعودي..
وفي ختام هذه القصة، تتوجه أسرة الدكتورة نهال بندائها الإنساني إلى الديوان الملكي في المملكة العربية السعودية، بوصفه مرجعية العدالة والرحمة، وحاضن القيم التي جعلت الإنسان في صدارة الأولويات. إن نقل الدكتورة نهال إلى أحد المستشفيات المرجعية في مدينة الرياض، ومنح أسرتها إقامة إنسانية تتيح لهم البقاء إلى جوارها، ليس مطلبًا استثنائيًا، بل استحقاقًا إنسانيًا لامرأةٍ خدمت المجتمع، ولأسرةٍ أنهكها الانتظار. إن هذه الاستجابة، إن تحققت، لن تُنقذ مريضة فحسب، بل ستُعيد الثقة في أن الطب حين يتعثر، تتكفّل الإنسانية بتصحيح المسار، وأن العدالة في المملكة لا تغفل نداء الضعفاء حين يُطرق بابها بصدق.
يقول والدها والألم يعتصر صوته خمس سنوات مضت وابنتي في غيبوبة كاملة، لم تحتضن طفلها يحيى يوماً.




