“الانتقالي” يُحكم قبضته وسط اتهامات بـ”الانقلاب” على الشرعية في اليمن

ضيف الله الطوالي – مراسلين
اليمن – منذ مطلع ديسمبر الجاري، لم تعد جغرافيا شرق اليمن (حضرموت والمهرة) مجرد مساحات شاسعة بعيدة عن خطوط التماس مع الحوثيين، بل تحولت إلى ساحة صراع مفتوح داخل معسكر “الشرعية” نفسه. وبينما تترسخ أقدام قوات المجلس الانتقالي الجنوبي في وادي وصحراء حضرموت، تترنح التوافقات السياسية التي بني عليها مجلس القيادة الرئاسي، وسط تحذيرات من أن اليمن يواجه اليوم “انقلاباً من الداخل” يهدد بتقويض ما تبقى من هيكل الدولة.
عسكرة الشرق.. “تأمين” أم “تفكيك”؟
على الأرض، لا يزال المشهد في حضرموت والمهرة يغلي. فمنذ سيطرة قوات الانتقالي على وادي وصحراء حضرموت في الثالث من ديسمبر، وما تلاها من تمدد نحو المهرة، توقفت عجلة الحياة الطبيعية في بعض المرافق السيادية، وعلى رأسها مطار سيئون الدولي الذي دخل أسبوعه الثاني من الإغلاق “القسري”.
المجلس الانتقالي، عبر رئيس جمعيته الوطنية علي الكثيري، يصر على أن تحركاته “ليست انتزاعاً للسلطة”، بل هي “ضرورة أمنية” لمكافحة التهريب والإرهاب وتأمين المحافظات الشرقية. غير أن هذه السردية تصطدم برفض قاطع من رئاسة مجلس القيادة الرئاسي ومن قوى سياسية وازنة كحزب الإصلاح، الذين اعتبروا هذه الخطوات “تصرفاً أحادياً” يناقض جوهر اتفاق الرياض وإعلان نقل السلطة.

حكومة “الضدين”.. وزراء يدعون للانفصال
في سابقة سياسية قد تكون الأخطر منذ تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، أعلن عدد من الوزراء ونواب الوزراء المحسوبين على الانتقالي -وهم جزء من القوام الرسمي للحكومة- تأييدهم الصريح لمشروع “فك الارتباط” وإقامة دولة الجنوب. هذا الانقسام الرأسي دفع بوزارة الإعلام والثقافة والسياحة إلى إصدار بيان حاد، وصفت فيه تلك المواقف بأنها “خروج سياسي وقانوني غير مقبول”، محذرة من توظيف مؤسسات الدولة لخدمة مشاريع تشطر الهوية الوطنية، إذ يرى مراقبون أن هذا “الشرخ” الحكومي يجعل من إدارة الدولة مهمة شبه مستحيلة، حيث تتحول قاعة اجتماعات مجلس الوزراء إلى ساحة للمناورة السياسية بدلاً من حل أزمات المواطنين المعيشية.
ثمن التصعيد.. دماء واعتقالات
خلف البيانات السياسية، هناك كلفة إنسانية وعسكرية باهظة. فقد كشف الجيش اليمني عن هويات 30 عسكرياً، بينهم ثمانية ضباط، قُتلوا بنيران قوات الانتقالي خلال المواجهات الأخيرة في حضرموت. وفيما ينفي الانتقالي ممارسة أي انتهاكات، توثق منظمات حقوقية (كالشبكة اليمنية للحقوق والحريات) أكثر من 312 حالة اعتقال تعسفي وإخفاء قسري في غضون أسبوعين فقط. ويقول عبد الرزاق الهجري، عضو الهيئة العليا لحزب الإصلاح: “إن ما يقوم به الانتقالي اليوم هو تقديم خدمة مجانية للحوثي الذي يرقص طرباً على وقع تفتت الجبهة المناهضة له”. ويضيف الهجري أن مبررات “الإرهاب والتهريب” ليست سوى “شماعة” لفرض أمر واقع عسكري ينهي وجود الشرعية في المحافظات المستقرة.
مأزق “التفويض”.. هل يسحب هادي البساط؟
قانونياً، دخل السجال مرحلة جديدة بتصريحات عضو هيئة التشاور والمصالحة، علي عشال، الذي اعتبر أن إعلان نقل السلطة الصادر في أبريل 2022 كان “تفويضاً مشروطاً” بالحفاظ على الدولة لا تفكيكها. عشال لوح بورقة قانونية جريئة؛ وهي أن انحراف أي طرف عن أهداف التفويض يمنح “المفوِّض” (الرئيس السابق عبدربه منصور هادي) الحق الدستوري في إعادة النظر في ذلك التفويض لحماية كيان الدولة من الانهيار.
ضغوط إقليمية.. و”درع الوطن” في الواجهة
وسط هذا الضجيج، تبرز المملكة العربية السعودية كلاعب يحاول كبح جماح التصعيد. فالرياض التي تقود التحالف، أبدت رفضاً علنياً لتحركات الانتقالي في الشرق، وضغطت من أجل إحلال قوات “درع الوطن” -التي تتبع رئيس مجلس القيادة مباشرة- كبديل للقوات المتصارعة. يبدو ذلك من خلال استمرار وجود اللواء محمد عبيد القحطاني في حضرموت، والضغط السعودي المستمر، يشير إلى أن المنطقة لم تُحسم بعد لأي طرف، وأن “معركة النفس الطويل” قد بدأت لترسيم حدود النفوذ في الهلال النفطي والحدودي لليمن.
يبقى السؤال الأكبر: هل تنجح جهود التحالف في إعادة ترميم “بيت الشرعية” المتصدع؟ أم أن اليمن يتجه نحو “ملشنة” شاملة تبتلع ما تبقى من مفهوم الدولة، وتترك الباب مشرعاً أمام جماعة الحوثي لتكريس سلطتها شمالاً، بينما يغرق الجنوب والشرق في صراع الهويات والمشاريع الموازية؟




