تقارير و تحقيقات

أبواب مخلّعة ونوافذ غائبة… طلاب سورية يقاومون بالنور وسط العتمة

تقرير : شريف فارس/ سوريا 

مع انطلاق العام الدراسي الجديد في سورية بعد سنوات من النزوح والدمار، يواجه قطاع التعليم واحدة من أعقد أزماته. فعودة قسم من الأهالي إلى قراهم ومدنهم لم ترافقها عودة موازية للمقومات الأساسية للعملية التعليمية، إذ ما تزال مئات المدارس مدمّرة أو غير مؤهلة، فيما يعاني الطلاب من اكتظاظ غير مسبوق داخل الصفوف، ونقص حاد في الكادر التدريسي. هذه التحديات تتضاعف مع عودة الطلاب المهجّرين، الذين يفتقر كثير منهم إلى إتقان اللغة العربية، ما يطرح إشكاليات إضافية تتطلب حلولاً عاجلة لضمان حقهم في التعليم، ويجعل من الملف التربوي أولوية قصوى أمام السلطات المحلية والمنظمات الإنسانية.

أوضح الأستاذ جمال جودي، مدير مدارس بنيان العلم الخاصة في سراقب وسرمدا، أن أزمة التعليم تفاقمت بسبب بعد المدارس عن أماكن سكن الطلاب، مما أجبر كثيرين على ترك الدراسة وأدى إلى اكتظاظ الصفوف بشكل كبير، وهو ما يعيق وصول المعلومة بصورة صحيحة. وأضاف أن ضعف الكادر التدريسي نتيجة التعيينات غير المبنية على الكفاءة ساهم في تراجع مستوى التعليم، مشيراً إلى أن عودة الطلاب المهجّرين شكّلت تحدياً جديداً بسبب افتقارهم لإتقان اللغة العربية قراءةً وكتابةً، ما يجعل اندماجهم شكلياً ويشعرهم بالحرمان. ودعا جودي إلى الإسراع في تجهيز المدارس وتفعيل التعليم الإلكتروني، إلى جانب إطلاق برامج تعليم مسرّع للطلاب العائدين والمتسربين.

وفي السياق ذاته، قال الأستاذ أبو رضوان، أحد الإداريين في مدارس ريف إدلب الجنوبي، إن العملية التعليمية هناك تعاني من غياب شبه كامل للبنية التحتية، حيث لم يتم توزيع الكتب أو المقاعد رغم مرور أسبوع على انطلاق العام الدراسي الجديد 2025-2026. وأضاف أن الأهالي عادوا إلى منازلهم بعد سنوات من النزوح دون أن يجدوا مدارس مؤهلة لأبنائهم، موضحاً أن الضغط على الكادر التدريسي سيكون كبيراً مع ترميم بعض المدارس، وقد يضطرون لطلب تمديد شهر إضافي في نهاية العام لتعويض التقصير.

من جانبه، قال خالد أبو محمد، وهو والد أحد الطلاب العائدين إلى ريف حمص:

“رجعنا على بلدنا بعد سنين من الغربة، وصرنا نواجه مشكلة كبيرة بتعليم أولادنا. المدارس بعيدة عن بيوتنا، وهالشي بيخلّي كتير من الطلاب يتركو. وحتى إذا لحقوا، الصفوف مليانة تقريباً أكتر من سبعين طالب بالشعبة، والمعلّم ما عم يقدر يوصل المعلومة متل ما لازم”.

أما الأستاذ ماجد الخالد، مدرس في ثانوية تلبيسة للبنين بريف حمص، فأكد أن المدرسة تفتقر إلى أبسط المقومات التعليمية، إذ تخلو من الحمّامات والخزانات، بينما الطابق الثاني بلا مقاعد أو نوافذ أو أبواب، وصفوف الطابق الأول تحتاج إلى صيانة كاملة للمقاعد إضافة لغياب الأبواب واللوحات. وأشار إلى النقص الكبير في الكوادر التعليمية، حيث تفتقد المدرسة لمعلمي العلوم والفلسفة. ورغم هذه الظروف القاسية، أكد الخالد أن الطلاب ما زالوا يداومون مع بداية العام الجديد، رغم صعوبة الوضع والاكتظاظ الكبير، إذ لا يملك الأهالي حالياً أي حل بديل يضمن استمرار تعليم أبنائهم. ولفت إلى أن ست مدارس في تلبيسة مدمرة بالكامل، و19 أخرى بحاجة عاجلة للترميم، فيما يضم الصف الواحد أكثر من خمسين طالباً.

من جانبه، قال الأستاذ أسامة العلي، مشرف مجمعتربوي “سمعان الشرقية” في محافظة حلب:

“نعمل بالتنسيق مع المنظمات والجمعيات إلى جانب جهود الأهالي، ونضع خططاً مستعجلة للتعامل مع الواقع الراهن بالتوازي مع خطط طويلة الأمد لتدريب الكوادر وتأمين بيئة تعليمية آمنة. أما سد النقص في الكوادر التدريسية فنلجأ فيه إلى الوكلاء نتيجة الحرب والتهجير ونقص الكفاءات. وقد بدأنا بترميم وبناء عدد من المدارس، ودعمها باللوجستيات والقرطاسية، غير أن الاحتياج ما يزال كبيراً جداً، إذ لا تغطي الخدمات الحالية سوى 10% من الحاجة الفعلية”.

وأضاف الباحث التربوي توفيق الشاطر أن الوضع التعليمي الحالي يعاني من تحديات كبيرة تشمل خراب المدارس، غياب البنية التحتية، نقص الكوادر، وغياب الكتب المدرسية، إضافة إلى إدارات جديدة تحتاج إلى التوافق مع سياسات البلد الجديد، ما قد يؤثر سلباً على التحصيل العلمي للطلاب. وأوضح أن وزارة التربية تمكنت من تجاوز هذه الصعاب والانطلاق بخطة ثابتة نحو بيئة تعليمية جيدة، رغم بعض الهفوات الناتجة عن الضغط الكبير على النظام التعليمي.

وأشار الشاطر إلى أهمية اتخاذ عدة خطوات لضمان بيئة تعليمية ممتعة وفعّالة، أبرزها تجهيز الكتب المدرسية والبناء المدرسي، وتوفير الموارد البشرية من معلمين وإداريين، وتجهيز اللوجستيات الأساسية كالقرطاسية والحقائب والوسائل التعليمية. كما لفت إلى وجود فجوة بين السلطات التعليمية والتنفيذية، ما أدى إلى عدم نجاح بعض الخطط بشكل كامل، مؤكداً على ضرورة تكثيف اللقاءات بين الإدارات العليا والدنيا لضمان إيصال القرارات والخطط بشكل أفضل، بما يسهم في رفع مستوى العملية التعليمية وتحسين نتائج الطلاب.

أمام هذا الواقع المأساوي، يبدو أن التعليم في سورية يخوض معركة وجود حقيقية. فبين مدارس مدمّرة وصفوف مكتظة وكوادر محدودة، يبقى إصرار الطلاب على متابعة دراستهم رسالة أمل وسط الركام، ودعوة ملحّة إلى كل الجهات المعنية كي تتحرك بشكل عاجل لتأمين حق الجيل الجديد في المعرفة، بوصفه الركيزة الأساسية لإعادة بناء الوطن.

خاص - مراسلين

شبكة مراسلين هي منصة إخبارية تهتم بالشأن الدولي والعربي وتنشر أخبار السياسة والرياضة والاقتصاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews