أخبارمقالات

«أبٌ يسير بالمأساة على ذراعيه».. شهادة وفاة في انتظار الوصول

شبكة مراسلين
بقلم: سجى عبد المجيد شبانة

في واحدة من أكثر صور الحروب قسوةً، يظهر أبٌ في غزة يحمل جثمان طفله الذي قضى تحت القصف، يتنقل بين الطرقات المقطوعة، يبحث عن مستشفى لا ليمنحه العلاج، بل فقط للحصول على وثيقة رسمية تُثبت أن طفله لم يعُد على قيد الحياة.

في غزة اليوم، باتت شهادة الوفاة حلماً لأُسرٍ كثيرة، تُريد أن تُنهي سلسلة الألم بالاعتراف القانوني بما حدث، وأن لا يُترك أبناؤها في المجهول حتى بعد الرحيل.

طفولة تُدفن قبل أن تُعاش

المشهد ليس استثنائيًا، بل بات متكررًا ومألوفًا في قطاع غزة منذ بداية العدوان الأخير. حيث تفيد تقديرات وزارة الصحة الفلسطينية (بيان 17 تموز/يوليو 2025) أن:

  • أكثر من 14,378 طفلًا استشهدوا منذ 7 أكتوبر 2023.
  • أكثر من 26,300 طفل أصيبوا بجروح مختلفة، معظمها شديدة.
  • نحو 1,900 طفل ما يزالون تحت الأنقاض أو مفقودين.

وتُشير الوزارة في تقاريرها اليومية إلى وجود صعوبات بالغة في التوثيق، بسبب عجز الطواقم، وتدمير مؤسسات الأحوال المدنية، مما يؤدي إلى تأخّر أو غياب إصدار شهادات وفاة رسمية لآلاف الضحايا، بينهم أطفال.

المستشفيات تنهار.. والموت لا يُوثّق

وفق منظمة الصحة العالمية (WHO)، وبيان صادر بتاريخ 10 يوليو 2025:

  • 36 من أصل 41 مستشفى في قطاع غزة أصبحت خارج الخدمة الكاملة.
  • 72% من المراكز الصحية أُغلقت إما نتيجة الاستهداف أو انقطاع الإمدادات.
  • 70% من سيارات الإسعاف تعرّضت لأضرار مباشرة أو لم تعد قابلة للاستخدام.

أرقام تنقل على الأكتاف

في غياب منظومة الإسعاف، أصبحت عائلات الضحايا تنقل جثامين أطفالها عبر:

  • عربات يدوية.
  • دراجات نارية.
  • سيرا على الأقدام.
  • أكياس بلاستيكية، وثلاجات منزلية.

وأفادت مؤسسة ميزان لحقوق الإنسان بأن أكثر من 3,000 جثمان لأطفال تم نقلهم بوسائل بدائية إلى المستشفيات أو المقابر، في ظل غياب الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية.

الطفولة تحت الصدمة.. وليس فقط تحت الأنقاض

وفق تقرير صدر عن منظمة أطباء بلا حدود – Médecins Sans Frontières في 8 يوليو 2025:

  • يعاني نحو 60% من الأطفال الناجين من أعراض صدمة حادة، تشمل فقدان النطق، الذهول الطويل، الكوابيس، والتبول اللاإرادي.
  • انعدام الدعم النفسي شبه الكامل أدى إلى زيادة اضطرابات ما بعد الصدمة بين الأطفال.

نداء أممي: غزة “غير صالحة للحياة”

أكد بيان صادر عن المفوضية السامية لحقوق الإنسان (OHCHR) في منتصف تموز/يوليو 2025، أن:

“الوضع في غزة تجاوز حدود الكارثة الإنسانية، وبات غير قابل للإصلاح ما لم يتوقف العدوان فورًا وتُفتح ممرات إنسانية حقيقية.”

وأشارت المفوضية إلى أن الحق في الاعتراف القانوني بالوفاة بات مهددًا، وأن آلاف العائلات الفلسطينية تعيش الألم مرتين: مرة بفقدان ذويها، ومرة بعدم الاعتراف بهم قانونيًا.

رسالة الختام: اعترافٌ متأخر بالرحيل

في دول العالم، تُولد الطفولة بالفرح، وتُودّع بكرامة.

في غزة، باتت الطفولة تولد بين الحصار، وتُغتال تحت الركام، وتُشيّع فوق الأكتاف، وتُسجّل – إن وُجدت الإمكانيات – في شهادة وفاة.

ذاك الأب الذي حمل طفله شهيدًا إلى مستشفى بلا طاقة، لم يكن يبحث عن إنقاذ، بل عن اعتراف.
لم يطلب دواء، بل توقيعًا يوثق أن لابنه اسمًا، وتاريخًا، وأنه غادر حيًّا في ذاكرة والده، وإن مات في أوراق الأمم.

خاص - مراسلين

شبكة مراسلين هي منصة إخبارية تهتم بالشأن الدولي والعربي وتنشر أخبار السياسة والرياضة والاقتصاد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews