
بقلم د. أحمد أحمد
لم تعد العربدة الإسرائيلية تعرف حدوداً، فها هو سلاح الجو الإسرائيلي يسرح ويمرح ما بين إيران والعراق وسوريا والأردن ولبنان والسعودية وقطر واليمن سواءً بالقصف أم بالعبور باتجاه أهدافه، دون رادع أو مانع.
إذا كان القصف الأخير قد طال عاصمة عربية وخليجية تتمتع بعلاقة وثيقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وما زالت تقدم لها خدمات كبيرة من مثل الوساطة مع حركة حماس والوساطة سابقاً مع حركة طالبان عدا عن دورها في تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا، وحل النزاع في الكونغو، والقائمة تطول، فماذا يمكن أن تراهن عليه بقية العواصم في المنطقة لكي تحمي نفسها من مثل هذا الهجوم، الذي قد يصل إلى قصور الحكام في جميع دول المنطقة؟
لقد حفظتُ منذ نعومة أظفاري جميع عبارات الشجب والاستنكار والإدانة التي كانت وما زالت تعج بها جميع محطات التلفزة العربية، وحتى لحظة كتابة هذه السطور لم أسمع غيرها كردة فعل على ما جرى ويجري من تقتيل وتشريد وتجويع وقصف في غزة والأعمال العسكرية خارج فلسطين، فهل هذا يعني أن لا شيء سيتغير؟
إن إحدى تعريفات الغباء المشهورة بين الناس، والمنسوبة دون دليل إلى آينشتاين، تقول بأن الغباء هو أن تفعل الشيء نفسه مرارًا وتكرارًا وتتوقع نتائج مختلفة، فهل يعي حكامنا وسياسيونا وإعلاميونا وجنرالاتنا ذلك؟
أعلم بأن جميع دول الخليج فيما عدا السعودية لا تملك قوة عسكرية وازنة في المنطقة، وبالتالي لا أتوقع منها حتى مجرد التفكير بتهديد إسرائيل ناهيك عن أن ترد الصاع صاعين بعد الاعتداء على عاصمة خليجية، ولكن أقل ما يمكن أن تقوم به هذه الدول هو توجيه رسالة قوية إلى الولايات المتحدة ممثلة بإدارة الرئيس ترامب تخبره فيها بأنه سيخسر إذا استمرّ بدعم إسرائيل بهذه الصورة الوقحة، وأبسط وأول هذه الخسائر التراجع عن الاستثمارات التريليونية التي تعهدت بها دول الخليج لترامب، فإن لم يكف ذلك لإقناع الولايات المتحدة بضرورة تغيير بوصلتها عندها تستطيع دول الخليج الانتقال إلى المستوى الثاني من الضغط وهو التلويح بإغلاق القواعد العسكرية الأمريكية المقامة على أراضيها ما دامت هذه القواعد لم تمنح هذه الدول الحصانة من الهجوم الإسرائيلي.
إن التوجه باتجاه تعزيز التحالف والتعاون العسكري مع الصين وعمل صفقات سلاح تضاهي الأسلحة الأمريكية وبأسعار أقل كما فعلت الباكستان هو خيار يجب أن يكون مطروحاً على الطاولة. إن الوضع الراهن الذي يجعل سيد البيت الأبيض يرى في معظم الحكام العرب مجرد توابع لا يملكون من قرارهم شيئاً لن يحفز على حدوث أي تغيير في المنطقة، بل سيشجع على المزيد من الصلف والغرور والتنمر من قِبل أمريكا وإسرائيل.
إذا كانت الأمور بهذا الوضوح، فلماذا يصر حكامنا على المضي في سياسة الانبطاح؟ الجواب باعتقادي هو رهانهم على أن المزيد من الدخول في بيت الطاعة الأمريكية مهما كلفهم ذلك من أموال وتنازلات هو الضمان لبقائهم في السلطة. هذا الرهان قد يبدو وجيهاً عند النظر إلى حجم القوة الأمريكية ونفوذها حول العالم وقوة ربيبتها إسرائيل بأذرعها الاستخباراتية والعسكرية، ولكن هل استطاعت أمريكا منع سقوط زين العابدين بن علي أو حسني مبارك حين تحرك سيل الشعوب العرمرم؟
أتمنى أن أكون مخطئاً، لكن بناءً على كل تجاربنا السابقة فإن المتوقع هو بقاء الحال على ما هو عليه، فإذا حدث ذلك من جانب الحكام، فهل تبقى ردة فعل الشعوب كما هي؟