تقارير و تحقيقات

صورة ضحية الاحتلال تبتلع كارثة غزة في تصور الغرب

ضيف الله الطوالي – مراسلين

بعد التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين حركة حماس والاحتلال الإسرائيلي، برزت بوضوح مرة أخرى ظاهرة ازدواجية المعايير في التغطية الإعلامية الغربية، فبينما يُصوَّر أسرى الاحتلال على أنهم “سفراء سلام” ومواطنون أبرياء، ويجري التركيز على معاناتهم المروعة في الأسر، يتم بالمقابل تهميش القضية الفلسطينية الأساسية وتصوير حماس وأسراها على أنهم “إرهابيون” يجب القضاء عليهم، متجاهلين أساس القضية وحجم الدمار الهائل والمذبحة التي تعرض لها أكثر من 70 ألف فلسطيني من أطفال ونساء وشباب.

هذا التناقض الصارخ يتجاهل التجريم الواضح لأفعال الاحتلال التي أدت إلى دمار غير مسبوق وكارثة إنسانية في قطاع غزة، كما يتضح من التقارير الواردة حول مهمة إعادة الإعمار الشاقة، ويؤكد الانحياز الغربي الذي يُغفل الجرائم المرتكبة على الأرض.

تكريس السردية الغربية

سارعت وسائل الإعلام الغربية إلى تحويل الروايات الفردية للأسرى الإسرائيليين المفرج عنهم إلى أدوات إدانة شاملة لحماس، كان التركيز حاداً ومؤثراً لإثارة أقصى درجات التعاطف وتثبيت صورة “الكيان العادل” و”الضحية”، وقد شكلت صحيفة “نيويورك بوست” الأمريكية إحدى أكثر الجهات حدة في إبراز هذه الروايات واصفه حماس بالمتعطشة للدماء، مستخدمةً مفردات مروعة لتعميق فكرة وحشية الآسرين، إذ نقلت الصحيفة عن والدة الأسير الجندي “متان أنغريست”، الذي اختُطف من دبابة، “بأنه تعرض للضرب بوحشية من قبل آسريه لدرجة أنه فقد وعيه”، كما ذكرت أنه عاش أشهرًا في نفق مظلم وشهد انهيار الجدران حوله، وذلك في قصف إسرائيلي.


كما أوردت الصحيفة أن الأسير روم براسلافسكي (٢١ عاماً) أخبر أقاربه أنه جُوِّع، وقُيد بالسلاسل، وأُجبر على النوم حافي القدمين على أرض باردة.

كما تم التأكيد حسب فولها على أن بعض الرهائن لم يُعطوا أحذية قط، وأن جنود حماس كانوا يأكلون أمامهم بينما هم يتضورون جوعاً، وأن المعاملة ازدادت قسوة بعد استئناف العمليات العسكرية الإسرائيلية.

على النقيض الغريب، تم نقل رواية عن الأسير “عومري ميران” (٤٨ عاماً) الذي “كان يطهو الطعام لآسريه، وكانوا يحبون طبخه”، مبدية تفاصيل تخدم فكرة الإذلال التي تود تصويره الصحيفة لمتابعيها.

التمجيد البصري والسياسي لـ “الضحية”

لم يتوقف الأمر عند الشهادات الشفهية؛ بل تم تداول صور مؤثرة لتحقيق أقصى تأثير عاطفي، وكانت قصة لم شمل الأسير “أفيناتان أور” وصديقته “نوعا أرغاماني”، التي أفرجت عنها حماس سابقاً، رمزاً مركزياً، حيث نُشرت صور قبلتهما المؤثرة كإعلان عن انتهاء “فظائع ٧ أكتوبر”، حسب ما نقلت عنهما صحيفة “نيويورك بوست”.

أسوأ من البدء من الصفر

في الوقت الذي كانت فيه الروايات عن المعاناة الإسرائيلية تتصدر العناوين، كان التجاهل التام لحجم الدمار الذي أحدثه الاحتلال في غزة هو الوجه الآخر للازدواجية، وكأن التركيز على المعاناة الفلسطينية كارثة إنسانية لا تُقارن.

بحسب تقرير هيئة الإذاعة البريطانية (BBC Verify) فإن حجم الدمار الذي لا يُناقش “أسوأ من البدء من الصفر”، نظراً للحجم الهائل للتدمير، إذ قدرت الأمم المتحدة الأضرار بـ ٧٠ مليار دولار، مع وصول مستوى الدمار إلى حوالي ٨٤٪ في القطاع، وإلى ٩٢٪ في مناطق مثل مدينة غزة.

إضافة إلى تراكم أكثر من ٦٠ مليون طن من الركام، يحتوي على رفات بشرية وقنابل غير منفجرة، مما يحوّل عملية الإزالة إلى مهمة بالغة الخطورة، بالنسبة لمنشآت المياه والصرف الصحي تم تدمير أو تضرر أكثر من ٧٠٪، مما يهدد بانتشار الأوبئة، حيث أظهرت صور الأقمار الصناعية دمار محطات المعالجة والتحلية.

استهداف الحياة في غزة

التقارير نفسها كشفت عن استهداف منهجي لكل مقومات الحياة في القطاع، وهو ما يُغفل ذكره في سياق تجريم الاحتلال، وقد أشار تحليل لمركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية (يونوسات) إلى أن ما يقدر بـ ٢٨٢,٩٠٤ منزل وشقة في جميع أنحاء غزة قد تضررت أو دُمرت.

وأكدت الخبيرة “شيلي كولبيرتسون” من مؤسسة (RAND Corporation) أن إعادة بناء المساكن “قد تستغرق ٨٠ عاماً” إذا استمرت قيود الاحتلال على إدخال مواد البناء بذريعة “الاستخدام المزدوج”.

بينما أظهرت صور الأقمار الصناعية أن أكثر من ٩٧٪ من محاصيل الأشجار قد تضررت، وبلغ انعدام الأمن الغذائي ذروته بإعلان مجاعة في مدينة غزة، مما يدل على استهداف ممنهج لأمن الغذاء.

تهميش الجريمة الأصلية

إن هذا التركيز الإعلامي الانتقائي، المدعوم بروايات صادمة كما تصفها الصحف الغربية ومبررات سياسية من أعلى المستويات الأمريكية، لا يهدف فقط إلى تجريم حماس، بل إلى تهميش الجريمة الأصلية التي أدت إلى استشهاد عشرات الآلاف من الفلسطينيين وتحويل غزة إلى ركام يتطلب عقوداً لإعادة إعماره، إن ازدواجية المعايير هذه تعمّق جراح الفلسطينيين وتغض الطرف عن الجرائم المرتكبة ضدهم، مؤكدة أن السردية الغربية لن تتخلى عن تحيزها حتى بعد توقف إطلاق النار محاولة بذلك ما ظهر من صحوة لدى شعوب العالم يتمذل ذلك في المظاهرات في كل الأقطار أثناء الإبادة في غزة وما زالت الشعوب تتظاهر حتى الآن لتؤيد الحق الفلسطيني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews