بين ضبط الإيقاع ومخاطر المواجهة: قسد في مواجهة حكومة دمشق

عبدالله حسن زيد – صحفي سوري كاتب وباحث في العلاقات الدولية والدبلوماسية
إن العلاقات بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تسيطر على مناطق واسعة في شمال شرق سوريا، وحكومة دمشق الجديدة تحت قيادة الرئيس أحمد الشرع (بعد سقوط نظام البعث في أواخر 2024)، تتسم بالتوتر المزمن والتصعيد المتقطع والمستمر. هذه العلاقات تشكل جزءاً أساسياً من الديناميكيات الإقليمية في سوريا، حيث تتقاطع مصالح القوى الدولية مثل الولايات المتحدة (التي تدعم قسد) وتركيا (التي تعارضها بشدة).
التصعيد الأخير في حلب، الذي اندلع اليوم الإثنين في 22 ديسمبر 2025، يعكس فشل المفاوضات الجارية ويهدد بتوسع الصراع، مما يعيق جهود إعادة الإعمار ويفاقم الوضع الإنساني.
قسد ودمشق:النشأة ومسار العلاقات.
نشأت قسد كتحالف كردي-عربي في 2015 لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وسرعان ما أصبحت تسيطر على نحو ثلث أراضي سوريا، بما في ذلك حقول النفط الرئيسية. على الرغم من التعاون السابق مع نظام الأسد ضد المعارضة المسلحة، إلا أن الخلافات تركزت على قضايا الاستقلال الإداري، توزيع الثروات، والسيطرة العسكرية.
بعد سقوط دمشق في 8 ديسمبر 2024، بدأت مفاوضات أمريكية لدمج قسد في الجيش السوري الجديد، أدت هذه المفاوضات إلى توقيع اتفاق 10مارس/ آذار وهو اتفاق مبدئي ينّص على دمج قوات قسد ضمن الجيش السوري، مقابل ترتيبات إدارية وأمنية تتعلق بمناطق سيطرتها، على أن ينتهي العمل به مع نهاية العام الحالي . ومع ذلك، تعثرت هذه المفاوضات وظل اتفاق 10مارس حبرا على ورق بسبب مخاوف قسد من فقدان السيطرة على مناطقها، والضغوط التركية التي ترى في قسد امتداداً لحزب العمال الكردستاني (PKK) كما أن هجمات سابقة في الرقة ودير الزور، أدت إلى إصابة مقاتلين من قسد وأكدت على توتر مسار التهدئة.
التصعيد الأخير في حلب مساء اليوم
حول التصعيد الذي حصل مساء اليوم الإثنين -22 ديسمبر 2025
اندلعت اشتباكات عنيفة في أحياء الشيخ مقصود والأشرفية بحلب، التي تسيطر عليها قسد جزئياً، مما أسفر عن مقتل 3 أشخاص على الأقل وإصابة ما لايقل عن 20آخرين.ونزوح الكثير من العائلات إلى أماكن أكثر أمانا.
تبادل الجانبان الاتهامات: أعلنت وزارة الدفاع السورية أن قسد هاجمت قواتها،بعد انسحاب قوات قسد من الحواجز المشتركة في حي الشيخ مقصود والأشرفية.وقالت أن قسد هي من بدأت بالهجوم واستهداف عناصر الأمن العام . مما دفعها إلى إرسال تعزيزات إلى المنطقة بعد حصول اشتباكات عنيفة وإطلاق نار كثيف ، تلاه استهداف حي الجميلية ومشفى الرازي في مدينة حلب .وسقوط قتلى وجرحى من المدنيين .كما أصدرت قسد بيانا تتهم فصائل تابعة لحكومة دمشق لبدء هجوم منظم ضد عناصرها. ووفقاً لتقارير، أرسلت قسد تعزيزات كبيرة نحو حلب، بينما اتهمت فصائل تابعة لدمشق باستخدام الدبابات والمدافع لقصف الأحياء السكنية.
هذا التصعيد يأتي تزامناً مع زيارة مسؤولين أتراك رفيعي المستوى إلى سوريا، مما يشير إلى دور تركي في تأجيج التوترات للضغط على قسد للاندماج أو مواجهة هجوم محتمل. كما أن هجمات سابقة، مثل تلك قرب سد تشرين في أوائل ديسمبر، أدت إلى إصابة مقاتلين من قسد وأثارت مخاوف من تهديد البنية التحتية الحيوية
الأسباب والدوافع وراء التصعيد
يعود التصعيد إلى عدة عوامل: أولها، الضغط التركي- تركيا، التي تعتبر قسد تهديداً أمنياً، تسعى إلى تفكيكها عبر دعم فصائل في دمشق، كما في التقارير عن تعزيزات عسكرية تركية في شمال سوريا ومهلة قصيرة للاندماج هذا يعكس مخاوف أنقرة من تعزيز الوجود الكردي، خاصة مع دور الحكومة الجديدة المدعومة من تركيا.
ثانيا: عدم توصل الطرفان الى اتفاق نهائي وتعثر المفاوضات، أكدت مصادر في قسد أن المحادثات مع دمشق متعثرة، وأن قسد تستعد لسيناريوهات حربية للحفاظ على استقلاليتها.
ومن جانب آخر، الحكومة السورية حذرت من أن تأخير الاندماج سيضر بمناطق قسد ويعيق الإعمار.
ثالثا : مخاوف قسد من مصير مجهول يعيد تكرار سيناريو الساحل والجنوب في شمال شرق الفرات
الولايات المتحدة تحاول الوساطة، لكن مخاوف قسد من مذابح طائفية وفقدان الثقة في قدرة دمشق على حماية الأقليات تزيد التوتر. كما أن ارتفاع نشاط داعش في مناطق الحكومة يعقد الوضع، مما قد يدفع قسد إلى الدفاع عن مصالحها.
التداعيات والسيناريوهات المستقبلية
هذا التصعيد يهدد بتوسع الصراع إلى مناطق أخرى مثل دير الزور، حيث يتم تعزيز قوات تابعة لحكومة دمشق إذا فشلت جهود التهدئة، قد يؤدي إلى هجوم كبير من قسد أو تدخل تركي مباشر، مما يعيق الحلول الدبلوماسية ويزيد من حدة التوتر والصراع. كمايعزز هذا من انقسام سوريا، لكن نجاح الاندماج قد يفتح باباً للحل السياسي الشامل. ومع ذلك، انّ الضغوط التركية والأمريكية المتضاربة، تبقي السيناريو الأكثر احتمالاً وهو استمرار التوترات المتقطعة.
التصعيد في حلب ليس حدثاً معزولاً، بل تعبير عن فشل في تسوية الخلافات الأساسية بين قسد ودمشق.
كمحلل موجود على أرض الواقع أعاين الأحداث عن كثب وأتابع تطورات الأحداث بشكل دقيق خاصة فيما يخص الأوضاع الداخلية، أرى أن الحل يتطلب ضمانات دولية لحقوق الأقليات الكردية وضمان توزيع عادل للثروات، مع دور أكبر للأمم المتحدة في الوساطة. فبدون ذلك، قد تشهد سوريا جولة جديدة من العنف، مما يؤخر تعافيها بعد سنوات من الصراع.



