وأخيرًا… انتهت الحرب على غزة

بقلم : سجى عبد المجيد شبانة
بعد أيامٍ وليالٍ طويلة عاشها الناس في غزة بين الخوف والدمار، بين فقد الأحبة وضياع الأحلام، جاء فجر جديد يُعلن نهاية الحرب. فبعد أن صمتت أصوات المدافع وتوقفت الطائرات عن التحليق في سماء المدينة، عمّ السكون المكان، لكنه سكون مشبع بالوجع، يشبه لحظة ما بعد العاصفة حين يحاول القلب أن يصدّق أن الكابوس قد انتهى فعلًا.
لقد كانت الحرب على غزة أكثر من مجرد معركة عسكرية؛ كانت اختبارًا قاسيًا لإنسانية العالم. على مدى أسابيع، كانت الشاشات تنقل مشاهد الألم، وعيون الأطفال تروي حكايات لا يمكن للغة أن تصفها. أحياءٌ كاملة اختفت تحت الركام، ومدارس ومستشفيات تحولت إلى ملاجئ للناجين. ومع كل يوم جديد، كان الناس ينتظرون خبرًا عن وقف النار وكأنهم ينتظرون الحياة نفسها.
واليوم، حين أعلنت الهدنة، لم يخرج الناس في غزة بالهتاف أو الاحتفال، بل خرجوا بتنهيدةٍ طويلة، تحمل وجع ما مضى وأمل ما سيأتي. هناك أمّ تبحث عن بيتها المدمر، وطفل يفتش عن لعبته بين الركام، ورجل ينظر إلى السماء لأول مرة دون خوف. كلّهم يعرفون أن المعركة لم تنتهِ تمامًا، لأن إعادة الحياة أصعب من وقف النار.
على الصعيد الدبلوماسي، تبذل الأطراف الدولية جهودًا كبيرة لإعادة الاستقرار وتثبيت الهدنة. لكن ما تحتاجه غزة لا يُقاس فقط بقرارات سياسية، بل بحاجة إلى التزام أخلاقي وإنساني من العالم بأسره. فالإعمار لا يعني فقط إعادة بناء الجدران، بل ترميم النفوس التي تكسرت، واستعادة الثقة بأن السلام ممكن.
إن مأساة غزة كشفت هشاشة الضمير الإنساني، لكنها في الوقت نفسه أظهرت قوة الصبر الفلسطيني. فبينما انشغلت العواصم بالنقاشات، كانت الأمهات هناك يزرعن الأمل في قلوب أطفالهنّ بكلمة، ويصنعن من الألم حياة جديدة.
اليوم، يُطرح السؤال الأهم: ماذا بعد الحرب؟ هل سيتحوّل هذا الصمت إلى بداية سلامٍ حقيقي، أم إلى فصلٍ جديد من الانتظار؟
الجواب لا تملكه غزة وحدها، بل يملكه كل من آمن بأن الإنسان أغلى من السياسة، وأن حق الحياة لا يُمنح، بل يُحترم.
إن انتهاء الحرب لا يعني انتهاء الجراح، لكنه بداية طريقٍ نحو شفاءٍ طويل يحتاج إلى دعم العالم، وعدالةٍ تضمن ألا يُعاد المشهد من جديد.
وغزة، رغم كل ما حدث، لا تزال تقف شامخة، تفتح ذراعيها للحياة، وتقول للعالم بصوتها الجريح:
“نحن نريد أن نعيش، لا أكثر.”
وأخيرًا… انتهت الحرب على غزة.
لكن مسؤوليتنا جميعًا أن نمنع اشتعالها من جديد، وأن نكتب بدموعنا هذه المرة لا خبر الدمار، بل خبر السلام المنتظر.