مقالات

التقارب الأمريكي–الإيراني: محاولات هشّة وتداعيات متشابكة على الساحة الشرق أوسطية

بقلم: عبدالله حسن زيد

صحفي سوري- كاتب و باحث في العلاقات الدولية والدبلوماسية

في عالم السياسة الدولية، حيث تتقاطع المصالح الاستراتيجية مع التوترات التاريخية، يظل التقارب بين الولايات المتحدة وإيران موضوعاً مثيراً للجدل. منذ الثورة الإيرانية عام 1979، والتي أنهت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، مرت العلاقات بمراحل من التصعيد والتهدئة، لكن عام 2025 شهد تحولاً كبيراً و مزيجاً من الهجمات العسكرية المباشرة والمحادثات النووية الهشة.

السياق التاريخي والأسباب الراهنة للتقارب:

تاريخياً، كانت العلاقات الأمريكية الإيرانية تتأرجح بين “الضغط الأقصى” الذي اعتمدته إدارة ترامب الأولى (2017-2021) والمحاولات الدبلوماسية تحت إدارة بايدن (2021-2025).

عودة ترامب إلى البيت الأبيض في يناير 2025 أعادت سياسة “الضغط الأقصى”، لكن الضرورات الاستراتيجية فرضت تعديلاً.و أبرز هذه الأسباب هو البرنامج النووي الإيراني، الذي وصل إلى مستويات عالية قريبة من الدرجة العسكرية بنسبة 90% بحلول منتصف 2025، مما أثار مخاوف دولية
كما أن التوترات الإقليمية، بما في ذلك دعم إيران لـ”محور المقاومة” في لبنان وسوريا واليمن، دفع الولايات المتحدة إلى البحث عن حوار غير مباشر لتجنب حرب شاملة.

بدأت المحادثات النووية الفعلية في أبريل 2025، مع خمس جولات بين واشنطن وطهران، تلتها جولة سادسة في يونيو، رغم التصعيد العسكري.

أسفرت هذه المحادثات عن اتفاق مؤقت في سبتمبر، يتضمن رفع بعض العقوبات الأمريكية مقابل تجميد إيراني لأنشطة التخصيب، مع بدء مفاوضات لـ”اتفاق نهائي” يشمل حظر الأسلحة وصواريخ بعيدة المدى.

ومع ذلك، أكدت منظمة الطاقة الذرية الدولية (IAEA) في نوفمبر أن إيران رفضت الوصول إلى مواقعها النووية منذ يونيو، مما يشير إلى هشاشة هذا التقارب.

الأسباب الاقتصادية تلعب دوراً حاسماً أيضاً:

إيران، التي تعاني من انكماش اقتصادي بسبب العقوبات، ترى في الرفع الجزئي عنها فرصة لإعادة الاندماج في أسواق النفط العالمية. أما الولايات المتحدة، فتسعى إلى تقليل الاعتماد على التحالفات الإسرائيلية-الخليجية في مواجهة إيران، خاصة مع تراجع النفوذ الأمريكي في أوكرانيا والشرق الأوسط وظهور اللاعب الروسي على الساحة بقوة.

التصعيد العسكري كمقدمة للحوار: الهجمات في يونيو 2025

لم يأتِ التقارب من فراغ؛ بل سبقته أحداث هامة وخطيرة.
في 22 يونيو 2025، نفذت الولايات المتحدة عملية استراتيجية تمثلت في سلسلة ضربات جوية على منشآت نووية إيرانية، بدعم إسرائيلي، أسفرت عن تدمير جزئي لمفاعل نطنز ومواقع تخصيب سرية ،حيث ردت إيران بتهديدات باستهداف قواعد أمريكية في الشرق الأوسط، وأطلقت هجمات صاروخية محدودة على إسرائيل، مما أثار مخاوف من حرب إقليمية.


هذا التصعيد، الذي وُصف بـ”حرب 2025″، أجبر الجانبين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، حيث رأت واشنطن فيه “درساً قاسياً” لإيران، بينما اعتبرته طهران “عدواناً استفزازياً” يعزز شراكتها مع روسيا والصين.

التداعيات الإقليمية: إعادة رسم الخريطة السياسية

يمتد تأثير هذا التقارب إلى قلب الشرق الأوسط، حيث يهدد بتغيير التحالفات التقليدية. أولاً، بالنسبة لإسرائيل: الدولة اليهودية، التي كانت الداعم الرئيسي للهجمات في يونيو، ترى في المحادثات النووية تهديداً وجودياً، إذ يمكن أن يسمح الرفع للعقوبات بتمويل إيران لـ”حزب الله” وحماس،
نتيجة لذلك، زادت إسرائيل من ضرباتها الوقائية في سوريا ولبنان، مما أدى إلى توتر مع واشنطن، التي تحاول التوفيق بين التقارب الإيراني ودعم حليفتها التاريخية.

ثانياً، الدول الخليجية، خاصة السعودية: الرياض، التي سعت إلى تطبيع مع إسرائيل عبر “اتفاقيات أبراهام”، تواجه الآن معضلة في التقارب الأمريكي الإيراني الذي يقلل من الضغط على طهران، مما يعزز نفوذها في اليمن والعراق
ومع ذلك، استضافت السعودية الرئيس الأمريكي ترامب لمناقشة تمويل إعادة إعمار غزة ودور سوريا، مع التركيز على نزع سلاح حزب الله، مما يشير إلى محاولة لاستغلال التقارب لصالح مصالحها.

كما أن الشراكة الإيرانية الروسية، التي تعززت في أكتوبر 2025، تهدد التوازن الخليجي، إذ توفر لطهران دعماً عسكرياً مضاداً للعقوبات.

على الصعيد الواسع، يعكس هذا التقارب تراجع النفوذ الأمريكي، حيث تستفيد الصين من وساطتها في التطبيع السعودي الإيراني عام 2023، وتزداد روسيا نفوذاً عبر صفقات أسلحة مع طهران.

كما أن رفض المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي لأي تطبيع “منطقي” ، معتبراً الولايات المتحدة “عدواً أبدياً”، يعزز الاستقطاب الداخلي في إيران، حيث يدعو الإصلاحيون إلى حوار لتجنب الانهيار.

الآفاق المستقبلية: بين الأمل والمخاطر

يمثل التقارب الأمريكي الإيراني في 2025 محاولة براغماتية لاحتواء التهديد النووي، لكنه يحمل تداعيات إقليمية عميقة قد تؤدي إلى إعادة رسم التحالفات أو تصعيد جديد. إذا نجح الاتفاق النهائي بحلول منتصف 2026، كما يتوقع بعض الخبراء، فقد يفتح باب الاستقرار الاقتصادي للمنطقة؛ أما الفشل، فقد يعيدنا إلى دورة من العنف، كما في يونيو الماضي.
كباحث، أؤكد أن النجاح يتطلب ثقة متبادلة، غائبة حالياً، ودوراً أكبر للأمم المتحدة في الضمانات.

الشرق الأوسط، الذي يعاني بالفعل من صراعات متعددة، لا يحتاج إلى مزيد من الهشاشة، بل إلى دبلوماسية حقيقية تعيد بناء الثقة بين الخصوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews