حين تُهمَّش المرأة العادية: فجوة التنمية بين النُّخبة والقاعدة

بقلم : نزهة الإدريسي
المملكة المغربية – في السنوات الأخيرة، تضاعف الحديث عن تمكين المرأة وإدماجها في الاقتصاد، وتكاثرت المبادرات والبرامج التي تحمل شعارات دعم النساء. لكن مقابل هذا الزخم الظاهر، تتسع فجوة خفية بين الخطاب والممارسة: فجوة تُقصي المرأة العادية، غير الحاصلة على شهادات، أو ذات التعليم المحدود، من دائرة الاستفادة الحقيقية.
فأغلب المنظمات والجمعيات والملتقيات التي تُعنى بقضايا النساء تميل إلى تركيز جهودها على شريحة ضيقة من النخب: خريجات الجامعات، الأطر، الناشطات الحاملات لمشاريع جاهزة، أو النساء المتمكنات رقميًا ولغويًا.
أما المرأة البسيطة—ربة البيت، العاملة غير المهيكلة، الحرفية التي تعيش على مهاراتها التقليدية—فتجد نفسها خارج هذه الدوائر، رغم أنها تمثل الشريحة الأكبر في المجتمع.
برامج لا تصل إلى المستهدفات الحقيقيات
عندما تُصمَّم مبادرات اقتصادية أو ورشات تكوين أو مشاريع تمويل، يتم افتراض مستوى معيّن من المعرفة التقنية أو الدراية الإدارية. فيُطلب من النساء تعبئة استمارات إلكترونية، إعداد ملفات معقدة، صياغة مشاريع بلغة تقنية، أو حضور تدريبات طويلة لا تناسب وقتهن والتزاماتهن الأسرية.
وهكذا تتحول المبادرات من فرصة إلى عائق إضافي، لأن تصميمها لا يراعي واقع النساء اللواتي يُفترض أن يستفدن منها.
إنها فجوة لا تتعلق فقط بالمحتوى، بل أيضًا باللغة، والوقت، والمكان، ومنهجية التكوين، ووسائل التواصل.
التراث والحرف التقليدية: ثروة مُهملة ورافعة تنموية حقيقية
في المقابل، تملك النساء غير الحاصلات على شهادات رأسمالاً ثقافيًا ومهاريًا هائلًا متجذرًا في التراث:
فنون النسيج
التطريز
الصياغة التقليدية
تحضير مستحضرات التجميل الطبيعية
تقنيات الحمّام المغربي
الفخار والجلد والخشب
الطبخ التقليدي
هذه المهارات ليست مجرد “هوايات”، او واجبات منزلية، بل هي اقتصاد كامل يمكن أن يُخلق منه آلاف فرص العمل والدخل الكريم إذا تم الاستثمار فيه بشكل ذكي.
لماذا التراث هو المدخل الأنسب لتمكين الشريحة الأوسع؟
- لا يتطلب شهادات: يعتمد على المهارة لا على التعليم الأكاديمي.
- متجذر في الهوية: يعطي للنساء إحساسًا بالقيمة والانتماء.
- قابل للتطوير والابداع والابتكار والتسويق: من خلال التسويق الرقمي، المعارض، التعاونيات، المنتجات السياحية.
- قابل للتوريث والاستدامة: تنتقل المهارات بين الأجيال.
- يخلق اقتصادًا محليًا: في القرى والمدن على حدّ سواء.
نموذج بديل لبرامج فعّالة وشاملة
لإدماج المرأة العادية في التنمية، لا بد من تصميم برامج واقعية، منها:
تكثيف التكوينات الميدانية القصيرة بدل الدورات النظرية الطويلة.
تبسيط مساطر الدعم والتمويل دون استمارات معقدة أو شروط تعجيزية.
توفير حضانات ومراكز لتطوير الحرف مع معدات جماعية.
دمج الذكاء التسويقي والرقمي بطريقة مبسطة ومرافقة مستمرة.
إطلاق منصات لعرض وبيع المنتجات التقليدية بإشراف جمعيات أو تعاونيات.
تنظيم أسواق ومعارض دورية تتيح للحرفيات الوصول إلى الزبائن.
الاعتراف الرسمي بالحرفيات عبر شهادات كفاءة مهنية.
نحو رؤية عادلة لتنمية المرأة
إن الحديث عن تمكين المرأة يصبح بلا معنى إذا ظل محصورًا في دائرة النخب.
العدالة التنموية تبدأ من تحرير طاقة المرأة البسيطة ومنحها الأدوات التي تحتاجها لا تلك التي تُفترض فيها.
فالمرأة التي لم تدخل الجامعة تحمل في يديها إرثًا حضاريًا قادرًا—إذا ما أُعيد اكتشافه ودعمه—أن يتحول إلى اقتصاد اجتماعي مزدهر يغيّر حياة أسر ومجتمعات بأكملها.
إن الاستثمار في التراث ليس ترفًا ثقافيًا، بل هو حل عملي، إنساني، ومستقبلي لتمكين الشريحة الأوسع من النساء، وإعادة وضعهن في قلب التنمية بدل بقائهن على الهامش.




