«عام على الطوفان».. قراءة تحليلية للأحداث منذ بدء «طوفان الأقصى»

شبكة مراسلين
بقلم: الدكتور أحمد أحمد
عام على صدمة السابع من اكتوبر والتي كانت مفاجأة للصديق قبل العدو، ما حدث في ذلك اليوم كان علامة فارقة لن يكون ما بعدها كالذي قبلها على المدى القريب والبعيد، فعلى الصعيد الإسرائيلي كان ضربة قوية لإسرائيل على عدة مستويات:
- الفشل الاستخباري خصوصاً وأن قطاع غزة محاصر ومراقب عبر الجو والبحر وعلى الأرض عبر شبكات من الجواسيس
- افتقاد الضربة الاستباقية ومنع حدوث هجوم داخل اسرائيل، حيث أنه لم يحدث مثل هذا الخرق الأمني منذ قيام الدولة العبرية
- فقدان ثقة الجمهور الاسرائيلي في قدرة جيشه على حمايته
- التخبط الواضح خلال أول ساعتين وغياب التنسيق بين أذرع الجيش المختلفة
- الهجرة العكسية لمئات الآلاف من الإسرائيليين خلال أول شهرين من الحرب.
على الصعيد الفلسطيني أدى إلى:
- الشعور بنشوة الانتصار لأول مرة في هجوم تم بمبادرة المقاومة مع أعلى عدد من القتلى الإسرائيليين منذ بداية المواجهة مع المشروع الصهيوني
- الأمل الكبير بأن يكون هذا الحدث بداية لحراك أكبر يؤدي إلى نهاية الإحتلال
- الأمل الكبير بتبييض السجون الإسرائيلية من جميع الأسرى.
على الصعيد الإقليمي أدى إلى:
- إبطاء مستويات الانخراط في الاتفاقات الإبراهيمية وخصوصاً مفاوضات انضمام السعودية والسودان إليها
- إعادة الأمل عند الجمهور العربي بإمكانية تحقيق إنجاز أمام الآلة العسكرية الإسرائيلية رغم قوتها وقسوتها
- تعرية الجيوش والأنظمة العربية التي طالما ادعت أنه لم يكن بالإمكان أفضل مما كان
- باغت الهجوم إيران في وقت كانت تحاول فيه تعزيز العلاقات مع السعودية وتقليل حدة التوتر في المنطقة، ولذلك أجزم بأنها لم تكن على علم مسبق به
- سبقَ هذا الحدث الإعلان عن وحدة الساحات مع حزب الله وأن استهداف أي من قياديي محور المقاومة في لبنان سيواجه برد عنيف من حزب الله، وأن أي استهداف لبيروت سيتم القصاص منه في تل أبيب، مما اضطرّ حزب الله على حين غرة إلى الانخراط في نوع من المواجهة مع اسرائيل.
كل ما سبق هو الأثر الأولي المباشر لهجوم السابع من أكتوبر.
بعد انطلاق الرد الإسرائيلي العنيف جداً والتدمير الممنهج لجميع البنى التحتية والمستشفيات والمدارس في غزة، بل والقتل المتعمد للنازحين داخل المدارس والمستشفيات وأثناء الانتقال عبر “الممرات الآمنة” وتشديد الحصار ومنع دخول الغذاء والماء والوقود والدواء، ومع تواطؤ الجانب المصري بانصياعه لطلبات إسرائيل بإغلاق معبر رفح، ومع الدعم الأمريكي والغربي اللامحدود والصمت الدولي إلا من إدانات خجولة هنا وهناك، مما أدى إلى أكثر من مائة وخمسين ألف شهيد ومصاب وتدمير شامل للقطاع.
ومع ذلك لم يستطع الاحتلال أن يسترد من أسراه الأحياء ما يتجاوز عدد أصابع اليد، ولم يستطع إعلان أي منطقة من القطاع كمنطقة آمنة لجنوده، ولم يستطع جعل الحاضنة الشعبية تنقلب ضد المقاومة أو تشكيل سلطة مدنية بديلة، ولم يستطع وقف إطلاق الصواريخ من غزة ولم يستطع إرجاع كامل سكان مستوطنات غلاف غزة، وبذلك لم يحقق أي هدف مما أعلن عنه لهذه الحرب.
تقديرات إيران وحزب الله لمراحل سير المعركة، وأثره على الأحداث
لقد أخطأ حزب الله وإيران عندما تعاملا مع هذه الحرب كأنها مثل سابقاتها من الجولات التي تنتهي باتفاق تهدئة حتى موعد الجولة التي تليها ولم يفهما بأن هذه الحرب مختلفة فهي معركة وجودية من ناحية إسرائيل لاستعادة الهيبة وقوة الردع حتى لو ضحت بالمئات من الجنود وجميع أسراها في غزة لأن هذه فرصة لإعادة تشكيل كامل المنطقة ومنع حدوث سابع من اكتوبر آخر في المستقبل.
الفهم الخاطئ لشكل المعركة دفع حزب الله إلى إشغال الجبهة الشمالية وبعمق لم يتجاوز ٢٠ كم مما أدى إلى نزوح ما يقارب ٦٥ ألف مستوطن إسرائيلي بدلاً من إشعالها بما يتناسب والمعركة المصيرية ومع ما يحدث من إبادة في غزة، وكان واضحاً تجنب الحزب قصف أي من المدن الكبيرة مثل عكا أو حيفا على الرغم من قصف الضاحية الجنوبية واغتيال صالح العاروري.
الاحتلال يسبق إيران وحزب الله بخطوات
والراجح بأن إيران كانت تضغط على حزب الله بعدم انفلات التصعيد فلم يستخدم أي من صواريخه الكبيرة الدقيقة ضد المدن الكبرى في الشمال وكانت جل ضرباته ضد أعمدة الاتصالات وكاميرات المراقبة و معسكرات للجيش وقاعدة ميرون (جبل الجرمق)، ولم يقم بتنفيذ ما وعد به سابقاً بمعادلة التوازي في العمق فقامت إسرائيل بقصف أهداف تصل إلى عمق ١٠٠ كم داخل لبنان وبقي رد الحزب لا يتجاوز ٢٥ كم في منطقة صفد، مما فتح شهية إسرائيل للتصعيد بشكل أكبر لعدم تضرر عدد كبير من مواطنيها في الشمال من هذا الإشغال، مما أوصلنا إلى اغتيال إسماعيل هنية في طهران ومن بعده جميع قيادات الصف الأول في حزب الله وتفجير البيجرات وما نتج عنه من إصابة الآلاف من المنتسبين للحزب وقصف عشرات منصات إطلاق الصواريخ في مختلف مناطق لبنان وحدوث صدمة داخل الحزب من حجم الاختراق.
وبالرغم من ذلك بقي الحزب يتعامل بالرد المحسوب مع توسيع رقعة القصف التي وصلت إلى شمال تل ابيب وتحديداً قاعدة الاستخبارات ٨٢٠٠ في غليلوت عند تقاطع شارعي ٥ و ٢٠ وكذلك قصف بعض المستوطنات شرقي القدس.
هذا التصعيد من قبل اسرائيل والتهديد الوجودي لحزب الله ذراع إيران الأكبر في المنطقة أدى إلى الهجوم الصاروخي الإيراني باستخدام الصواريخ الفرط صوتية بداية شهر اكتوبر ٢٠٢٤ والذي نجح بخلاف سابقه في نيسان ٢٠٢٤ بإصابة عدة مناطق في اسرائيل وخصوصاً قاعدة نڤاطيم الجوية جنوب شرقي بئر السبع، متخطياً أنظمة اعتراض الصواريخ الإسرائيلية، مع عدم حدوث إصابات في الأرواح بسبب الانصياع التام من الجمهور الإسرائيلي لتعليمات قيادة الجبهة الداخلية بالتوجه فوراً إلى الملاجئ وليس كما يظن البعض بأنها كانت صواريخ عبثية.
مستقبل المعارك في لبنان
مع انخفاض وتيرة المعارك في غزة واستكمال تدمير القطاع فيما بقي فوق الأرض تفرغت إسرائيل لمحاولة الإجهاز على حزب الله فانطلق العدوان البري الإسرائيلي في جنوب لبنان ولكن بصورة خجولة وحذرة جداً بسبب التجارب المريرة السابقة لجيش الاحتلال في لبنان وبسبب الخبرة المتراكمة من حرب الشوارع في قطاع غزة.
ولذلك أتوقع أن يستمر التقدم البطئ داخل الجنوب اللبناني ما لم يحدث اختراق مفاجئ لجيش الاحتلال من منطقة المطلة باتجاه نهر الليطاني ثم التقدم سريعاً بمحاذاة النهر غرباً حتى تصل إلى مدينة صور ثم احتلال جنوب لبنان بصورة عكسية من الشمال باتجاه الجنوب مما يُصعِّب على مقاتلي الحزب قتال قوات الاحتلال وجل تحصيناتهم صممت للقتال باتجاه الجنوب لا العكس مع صعوبة تقدم قوات بدر المتمركزة شمال نهر الليطاني لدعم جنوب لبنان بسبب الحاجز الجغرافي الطبيعي المتمثل بنهر الليطاني.
أعتقد بأن من تبقى من قيادة حزب الله يفهم هذه التحديات الميدانية ويدرك حجم الضغط الذي تتعرض له حاضنته الشعبية بتهجير ٦٠٠ ألف من جنوب لبنان و ٤٠٠ ألف من الضاحية الجنوبية عدا عن الضغط من الأطراف السياسية الأخرى في لبنان والتي توجه سهام نقدها للحزب بأنه جر لبنان إلى حرب لا تعنيه، ولذلك بدأنا نسمع تلميحات عن الاستعداد للوصول إلى وقف لإطلاق النار دون الربط مع وقفه في غزة، وتفويض رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري بالتفاوض باسم الحزب، في المقابل زادت إسرائيل من مطالبها التي كانت ترتكز على انسحاب قوات حزب الله شمال الليطاني فأصبحت تشمل أيضاً نزع سلاح الحزب على كامل الأراضي اللبنانية وخصوصاً سلاح الصواريخ بما يضمن عدم حدوث أي تهديد مستقبلي لمستوطنيه شمال فلسطين المحتلة.
ماذا ينتظر الاحتلال في غزة
في غزة أيقن الجيش الإسرائيلي بعدم جدوى حرب الاستنزاف داخل المدن والمخيمات والتي تعرض جنوده وآلياته للقنص المتكرر وتستنزف طاقاته فجاء بخطة الجنرالات (الألوية) التي وضعها عدة لواءات احتياط في الجيش بقيادة غيورا آيلند الرئيس الأسبق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي أيام حكومة شارون، والتي تقضي بإجبار كامل سكان شمال قطاع غزة بالانتقال إلى الجنوب عبر القصف والتهديد بالقتل وإغلاق المستشفيات ووقف دخول الغذاء والدواء والوقود، فإذا ما نجح جيش الاحتلال بإخلاء المنطقة من المدنيين يقوم بعمل حصار عسكري خانق على شمال القطاع حيث أن التقديرات الإسرائيلية تتوقع وجود ما لا يقل عن ٤٠٪ من قوات حماس في أنفاق هذه المنطقة، هذا الحصار سيمتد لأشهر مع عدم وصول أي إمدادات إليهم، مما سيضع مقاتلي المقاومة بحسب التصور الإسرائيلي أمام أربع خيارات:
١- تسريع قيادة المقاومة إبرام صفقة بشروط إسرائيل
٢- استسلام المقاتلين مع إعادة المحتجزين الإسرائيليين
٣- موت المقاتلين والمحتجزين جوعاً وعطشا
٤- الخروج من الأنفاق لقتال جيش الاحتلال بحيث يكونون مكشوفين ويسهل قتلهم بسبب الحصار العسكري الخانق مع تجنب جيش الاحتلال لمواجهتهم وجهاً لوجه بل سيكتفي بالقصف الكثيف لأي نقطة إطلاق نار من المقاومة خصوصاً مع خلو المنطقة من المدنيين.
مستقبل الصراع بين إيران وإسرائيل
على الصعيد الإيراني فإن مستقبل الصراع بينها وبين إسرائيل سيعتمد على قدرة إيران وقرارها بالرد من عدمه على الهجوم الإسرائيلي الذي سيحدث لا محالة خلال الأيام القليلة القادمة، فهل ستتدحرج الكرة باتجاه تصعيد وحرب مفتوحة تهدد إمدادات النفط من الخليج العربي وتهدد أمن دول الخليج التي تضم قواعد أمريكية؟ أم سيتم إنهاء التصعيد بعودة إيران إلى الصبر الاستراتيجي مرة أخرى مع الحصول على مكتسبات سياسية عبر اتفاق مع الإدارة الأمريكية خصوصاً في حال عدم فوز ترامب، ستجيبنا الأسابيع القادمة عن هذا السؤال.
حجم إسناد جماعة الحوثيين والمقاومة العراقية
مشاركة الحوثيين في منع حركة السفن المتجهة إلى إسرائيل أدت إلى شل ميناء إيلات وكان لها أثر معنوي من ناحية الإسناد ووحدة الساحات بالإضافة إلى الأثر الإقتصادي، كذلك إطلاق الصواريخ والمسيرات التي وصلت إلى تل أبيب، ولكن البعد الجغرافي الذي يفوق بعد إيران وضعف الخيارات العسكرية يجعل من هذه الجبهة ذات تأثير محدود على مجريات الأمور في فلسطين، وبدرجة أقل من تأثير الحوثيين سيكون تأثير المقاومة العراقية.
تعاون الأجهزة الأمنية في الضفة مع الاحتلال
على الصعيد الفلسطيني في الضفة الغربية فإن التعاون بين الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية مع جيش الاحتلال ومخابراته على مر عقود خلت قد آتى أُكُله في لجم أي حراك قوي لإسناد المقاومة فلم نشهد أي حراك شعبي قوي ولا حتى انتفاضة مستمرة مع حدوث اشتباكات عسكرية محدودة تركزت بشكل رئيسي في مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس، ولذلك ركزت عليها قوات الاحتلال بالتدمير.
الفلسطينيون في الداخل المحتل
أما فلسطينيو الداخل في المناطق المحتلة عام ١٩٤٨ فتم تحييدهم بنسبة عالية جداً عبر اعتقال أي ناشط حتى لمجرد التعاطف على وسائل التواصل الاجتماعي، وطردهم من وظائفهم، مما أدى إلى حالة من النأي بالنفس عما يحدث فلم نر إلا وقفات احتجاجية محدودة وعمليات تبرعات غذائية وعمليات مقاومة فردية لم تتجاوز عدد أصابع اليد.
موقف الشعوب العربية
الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج تحركت بحسب المسموح في كل دولة ولم تخرج عن ذلك سواءً من حيث سقف الشعارات والمقاطعة وعدم انتقاد حكوماتها سواءً الصامتة منها أو المتعاملة مع العدو علناً أو سراً، ولذلك صحت في أغلبهم مقولة “قلوبهم معك وسيوفهم عليك”. فهل ستصحو هذه الجماهير المليونية وتكون على قدر المسؤولية في هذه المرحلة المصيرية؟
اتفق تماما