جيشُك .. لا جيش السيسى
بقلم – يحيى حسين عبد الهادى
اِغْضَبْ كما شئتَ من السيسى فهذا حَقُّك .. فهو بشرٌ يصيبُ ويُخطئ .. لكن حاذِر أن يمتد غضبُك من السيسى إلى الجيش .. هذا جيشُك أنت .. لا جيش السيسى ولا أى حاكم .. سيذهب الرجلُ بحسناته وخطاياه كما ذهب مَنْ قَبْلَه وكما سيذهب مَنْ بَعدَه .. ويبقى لمصر جيشُها الذى صَنَعَتْهُ على عينها مِن دَمِها ومالِها وقِيَمِها وأبنائها .. درعها وسيفها فى وجه أعدائها .. وسَنَدَها وخادمَها في وجه الأزمات والمِحَن.
مِن النتائج الكارثية لهذه العَشرية السوداء، الخَلْطُ الغاضب ُ لدى الكثيرين بين الحاكم ومؤسسات الدولة (وفي صدارتها الجيش) .. الفصلُ واجبٌ .. مفهومٌ أن مصلحة أى حاكمٍ أن يخلط بين أدائه وأداء الجيش .. فكل نجاحٍ لهذه المؤسسة (الناجحة والمُنجِزة بطبيعتها) سيُنسَبُ له .. لكنَّ مَكْمَنَ الخطورة أن كل فشلٍ لهذا الحاكم سيُنسَبُ ظلماً للجيش ويخدشُ مكانته وهيبته المستحقة .. والجيشُ أكثرُ مؤسسات الدولة استهدافاً لأسبابٍ لا تَخْفَى على اللبيب .. من حقك، بل من واجبك، أن تغضب من كل أخطاء الحاكم، ولكن ما علاقة الجيش بذلك؟ إنها أخطاء الحاكم لا الجيش .. بل إنه حتى التَغَّول على الحياة الاقتصادية المدنية، ليس قرارَ الجيش، ولا يملك الجيشُ أن يفعل ذلك من تلقاء نفسه، إنما هو قرار الحاكم .. ولو طلب منه حاكمٌ أن ينسحب من هذا النشاط لَنَّفَذَ فوراً .. الجيش لا يُبادر بسياساتٍ من تلقاء نفسه وإنما هو مُنَّفِذٌ محترفٌ كُفءٌ لما يُكَّلَفُ به من مهام.
أعتقد أنَّ اللَبْسَ بدأ من لحظة إعلان وزير الدفاع تَرَشُحَه للرئاسة من تليفزيون الدولة مرتدياً الزى العسكرى، وهو ما فهمه كثيرون على أنه رسالةُ ضمنيةٌ للجميع بأنه (مرشح الجيش)، وهى رسالةٌ كارثيةٌ فضلاً عن أنها غير حقيقية .. فالجيش لا يُرشح أحداً .. الجيشُ ليس حزباً سياسياً ولا ينبغي أن يكون .. وكم تمزقت دولٌ بتسييس جيوشها.
اِغضَبْ من أخطاء النظام وخطاياه .. واسخر كما تشاء من الدُمَى الهزلية والبثور الطافحة (من العسكريين والمدنيين على السواء) التي تتصدر المشهد في بلدٍ بحجم ووزن مصر، وبدرجةٍ لم تحدث في تاريخنا .. فليس بين عسكريي الصدارة في هذه المرحلة البائسة مهندسٌ كصدقي سليمان ولا مثقفٌ كثروت عكاشة ولا مُنَّسِقٌ حضاريٌ كعبد اللطيف البغدادي ولا شاعرٌ كيوسف صديقٌ .. وهو نفس البؤس الذي يُمَّيِز اختيارات مَدَنِيي هذه العَشْرية أيضاً .. لكن لا تَنْسَ وأنتَ في عز غضبك أنَّ مصر أكبرُ من حكامها .. وأَنَّ مُؤسساتِها العريقةَ (ومن بينها الجيش) أكبرُ من أفرادها مهما عَلَتْ مناصبهم …. الأفراد لا يُمَّثلون إلا أنفسهم وفِكْرَ مَنْ أَتى بهم فقط .. التافهون والإمَّعات والمهرجون وكل من لا يعرف قيمة وشرف الزي العسكرى لا ينبغي أن يُنسَبَ له .. فالطرطور والكاب لا يجتمعان على رأسٍ واحدة.
اسخر يا بُنَّى من عبد العاطى صائد الإيدز وصانع الكفتة .. لكن تَرَفَّق لكيلا تصيب سهامُ سخريتك عبد العاطى صائد الدبابات وصانع المجد .. اغضب من المهرجين الاستراتيجيين التافهين محدودي الفِكر والثقافة (والذِمَّة أحياناً) ولكن تَرَّفَق لئلا تصيب سهامُ غضبِك دون أن تقصد جدودَك وأعمامك: عرابى ومحمد عبيد وعبد المنعم رياض وسعد الشاذلى وإبراهيم الرفاعى وآلافاً غيرهم فى رقدتهم.
العسكريون كأيِّ فئةٍ، فيهم النُجباء والتافهون .. الناجحون والفاشلون .. وما جُعِلَتْ المحاكمُ العسكرية أصلاً إلا لمحاسبة العسكريين المخطئين .. فالعسكريون ليسوا مُقَّدَسين .. لكن الجيش مُقَّدَس .. حاذِر يا بُنَّى أن تُصيب جيشك، فسهمُك مُرتدٌ إليك .. احرص عليه .. هو رصيدُك عندما ينقشع الغمام .. قل مثل ذلك على كل مؤسسات الدولة (الشرطة، القضاء، الجامعة… إلخ) فهي مؤسساتك لا مؤسسات الحاكم.
مهندس/ يحيى حسين عبد الهادي
٢٠ فبراير ٢٠٢٣