عبر المعارض الدفاعية.. كيف ترسم السعودية خارطة جديدة للقوة الاقتصادية والعسكرية

كتبه : أبوبكر خلاف

يشهد العالم سنويًا تنظيم عدد كبير من المعارض المتخصصة في المعدات العسكرية والتقنيات الدفاعية، بعضها يمتلك تاريخًا طويلًا وشهرة واسعة، فيما يمثل البعض الآخر محاولات جديدة من قبل دول صاعدة في مجال الصناعات الدفاعية. هذه المعارض تمثل منصات حيوية للدول والشركات التي تسعى لخلق مكانة بارزة لها في سوق الدفاع العالمي، أو اقتحام أسواق جديدة.

المعارض الكبرى مثل معرض باريس الجوي وEurosatory في فرنسا، ومعرض فارنبورو للطيران في المملكة المتحدة، وAUSA في الولايات المتحدة، تجذب اهتمامًا واسعًا على المستوى الدولي. بجانب هذه المعارض، هناك فعاليات أخرى اكتسبت مكانة بارزة بمرور الوقت، مثل معرض سنغافورة للطيران، وAero India في الهند، وADAS في الفلبين.

وعلى الصعيد الجغرافي، تشهد دول من جميع القارات إقامة معارض دفاعية مثل بلغاريا، البرازيل، ألمانيا، جنوب أفريقيا، اليابان، ماليزيا، الصين، وكوريا الجنوبية، مما يبرز الأهمية العالمية لهذه الصناعة.

الشرق الأوسط ومعارض الدفاع

في المنطقة العربية، تبرز معارض دفاعية هامة مثل SOFEX في الأردن، وEDEX في مصر، ومعرض دبي للطيران، وIDEX وNAVDEX في أبوظبي. وتعتبر الإمارات العربية المتحدة مركزًا رئيسيًا للمعارض الدفاعية، حيث تستضيف ما لا يقل عن 14 معرضًا سنويًا في هذا المجال.

دول أخرى في الخليج العربي مثل الكويت، قطر، وسلطنة عمان، تسعى أيضًا لتعزيز مكانتها عبر تنظيم فعاليات مثل Gulf Defense & Aerospace في الكويت، وMILIPOL في قطر، ومعرض IADE عمان. أما تركيا، فهي تتطلع لأن تصبح مصدرًا رئيسيًا للأسلحة عبر معارض مثل IDEF وAIREX.

في عام 2022، انطلق في الرياض معرض جديد يحمل اسم معرض الدفاع العالمي (WDS)، الذي يقام كل عامين بتنظيم الهيئة العامة للصناعات العسكرية السعودية.

التغيرات الإقليمية ومشاركة إسرائيل
بعد التغيرات السياسية التي شهدتها المنطقة، بدأت الشركات الإسرائيلية بالمشاركة في المعارض الدفاعية بدول الخليج العربي، مثل الإمارات. وقد أنشأت وزارة الدفاع الإسرائيلية جناحًا وطنيًا لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة في هذه المعارض.

ويبقى التساؤل حول إمكانية مشاركة الشركات الإسرائيلية في معرض WDS بالرياض عام 2026، وهو أمر قد يشير إلى تطورات جديدة في العلاقات الإقليمية.

صناعة الدفاع السعودية: ركيزة رؤية 2030

السعودية ورؤية الاعتماد على الذات
تعتبر المملكة العربية السعودية من أبرز الدول التي تسعى لتعزيز صناعاتها الدفاعية، في إطار جهودها لتقليل الاعتماد على الخارج وزيادة الجاهزية العسكرية. ويرتبط هذا التوجه برؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان 2030، التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد بعيدًا عن الاعتماد على النفط، مع التركيز على قطاعات مثل السياحة والصناعة، بما في ذلك الدفاع.

تلعب صناعة الدفاع السعودية دورًا مركزيًا في الرؤية، حيث يُتوقع أن تسهم في خلق 100 ألف وظيفة جديدة بحلول عام 2030، بالإضافة إلى تحقيق إيرادات تصل إلى 24 مليار دولار، ما يجعلها عنصرًا حيويًا في دعم الاقتصاد الوطني.

الهيئة العامة للصناعات العسكرية ودورها
تأسست الهيئة العامة للصناعات العسكرية (GAMI) عام 2017 لتحقيق أهداف رؤية 2030، عبر تنظيم قطاع الدفاع والإشراف عليه، ودعم الشركات المحلية. ومن بين المبادرات الرئيسية إنشاء شركة الصناعات العسكرية السعودية (SAMI)، المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة، لتكون العمود الفقري لصناعة الدفاع المحلية.

تهدف السعودية إلى تحقيق نسبة إنتاج محلي تزيد عن 50% من إجمالي إنفاقها الدفاعي بحلول 2030. ورغم أن النسبة الحالية تبلغ 19.35% فقط (ارتفاعًا من 4% عام 2018)، فإن التقدم المحقق يعكس الجهود الكبيرة المبذولة لتحقيق هذا الهدف.

نظرة على الإنفاق الدفاعي
في عام 2023، بلغ الإنفاق الدفاعي السعودي حوالي 75.8 مليار دولار، من إجمالي الناتج المحلي البالغ 1.068 تريليون دولار. ورغم التحديات، يظل المسؤولون واثقين من قدرة المملكة على تحقيق الأهداف الطموحة لصناعتها الدفاعية.

معارض الدفاع: أداة استراتيجية

تعتبر معارض الدفاع منصة استراتيجية للمملكة العربية السعودية لتسويق صناعاتها الدفاعية، واستقطاب شركاء عالميين لدعم رؤيتها الطموحة. ومن خلال تطوير صناعاتها الدفاعية وتنظيم معارض كبرى مثل WDS، تعزز المملكة مكانتها كقوة صناعية ودفاعية مؤثرة في المنطقة.

خاتمة
يبقى تطوير صناعة الدفاع السعودية نموذجًا ملهمًا لدول المنطقة، حيث يجمع بين الطموح الاقتصادي والرؤية الاستراتيجية. وفي ظل المنافسة العالمية المتزايدة، تمثل معارض الدفاع فرصة مثالية للمملكة لتحقيق استقلالية أكبر وتعزيز قدراتها العسكرية.