تقارير و تحقيقاتعربي و دولي

العقوبات على سوريا أفظع من الحرب

شبكة مراسلين
تحقيق: وليد شهاب قصاص

في ظلّ المشهد السياسي المتشابك والوضع الإنساني المتردي، تبرز دعوة المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، لإعادة النظر في العقوبات الغربية المفروضة على دمشق كنداء عاجل لا يمكن تجاهله.
فبعد أكثر من عقد من الحرب التي مزّقت النسيج الاجتماعي والاقتصادي للبلاد، يجد السوريون أنفسهم في مواجهة أزمة معيشية غير مسبوقة، تتفاقم بسبب العقوبات التي يُفترض أنها تستهدف النخبة الحاكمة، لكنّ آثارها القاسية تطال الملايين من المدنيين الأبرياء.

العقوبات على سوريا بين الهدف السياسي والواقع الإنساني

منذ فرض العقوبات الغربية على سوريا، ساد جدلٌ واسع حول فعاليتها في تحقيق الأهداف السياسية المرجوّة منها، مقارنةً بالتداعيات الإنسانية الكارثية التي خلّفتها. فبينما يُفترض أن تكون هذه العقوبات أداة ضغط لدفع النظام السوري نحو تغيير سياساته، تحوّلت إلى سيف ذي حدين: فقد عرقلت إعادة الإعمار، وحرمت السوريين من الأدوية والغذاء والطاقة، وزادت من معاناتهم في ظلّ اقتصاد منهار.

تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن أكثر من تسعين بالمئة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، بينما يعتمد ما يقارب ستة عشر مليون شخص على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة. وفي هذا السياق، يحذّر بيدرسون من أن استمرار العقوبات دون مراعاة للظروف الإنسانية سيدفع البلاد إلى هاوية أعمق، مما يهدد بانهيار كامل قد ينعكس على استقرار المنطقة بأكملها.

تصعيد خطير يزيد الأزمة تعقيدًا

إلى جانب الأزمة الاقتصادية، تواجه سوريا تحدياً أمنياً متصاعداً بسبب الغارات الإسرائيلية المتكررة، التي وصفها بيدرسون بأنها “لعبٌ بالنار”. فبينما تُبرر إسرائيل هذه الضربات بأنها تستهدف مواقع إيرانية وحلفاءها في سوريا، فإنّ تداعياتها تمتد لتشمل البنية التحتية المدنية وتزيد من تدهور الأوضاع المعيشية.

هذه الغارات، التي تتكرر منذ سنوات، لم تنجح في تحقيق أهدافها المعلنة بقدر ما ساهمت في إذكاء التوتر الإقليمي، وزادت من تعقيد أي مسار سياسي لحل الأزمة السورية. وفي ظلّ صمت دولي شبه مطلق، يبدو أن السوريين يدفعون الثمن مرة أخرى، ليس فقط بسبب حربهم الداخلية، بل أيضاً بسبب صراعات إقليمية ودولية تُدار على أراضيهم..

بين الواقعية والرهانات السياسية

يدعو بيدرسون إلى مقاربة أكثر واقعية، تقوم على تخفيف العقوبات تدريجياً لتمكين الحكومة السورية من إعادة بناء ما دُمّر، مع ضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق. كما يطالب المجتمع الدولي بتحمّل مسؤولياته تجاه المدنيين، الذين باتوا رهائن لصراعات لا نهاية لها.

لكنّ هذه الدعوات تواجه تحديات كبيرة، أبرزها تشبّث بعض الأطراف الدولية بمواقفها، واعتبار أن أيّ تخفيف للعقوبات دون ضمانات سياسية سيعزز من موقع النظام السوري. ومع ذلك، فإنّ الاستمرار في السياسات الحالية لن يؤدي إلا إلى مزيد من المعاناة، وهو ما يتطلب إعادة تقييم جذرية للأساليب المتبعة.

هل آن الأوان لسياسة جديدة؟

في النهاية، فإنّ الأزمة السورية لم تعد مجرد صراع داخلي، بل تحوّلت إلى قضية إنسانية تمسّ ملايين البشر الذين يستحقون فرصة للعيش بكرامة.

إنّ رفع العقوبات ليس تبرئةً للنظام، بل اعترافاً بأنّ العقاب الجماعي للسوريين لم يعد مقبولاً. آن الأوان لأن يتحوّل الخطاب الدولي من منطق العقوبات والعزل إلى منطق الإنقاذ والإعمار، قبل أن يكون الأوان قد فات.

خاص - مراسلين

شبكة مراسلين هي منصة إخبارية تهتم بالشأن الدولي والعربي وتنشر أخبار السياسة والرياضة والاقتصاد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews