تقارير و تحقيقاتسلايدرعربي و دولي

زلزال تركيا يدق ناقوس خطر في مصر..3 مليون مبنى معرض للانهيار حال حدوث هزة مشابهة فمن يمنع الكارثة؟

كتب – شريف الزين
شهدت تركيا زلزالا مدمرا منتصف الأسبوع الماضي، فجر الاثنين الموافق 6 من فبراير 2023، راح ضحيته أكثر من 40 ألف قتيل، وإصابة أكثر من مائة ألف أخرين، وكشف الزلزال عن حجم الفساد الكبير في منظومة البناء بعدد من المدن التركية، بعد انهيار ما يقرب من 12 ألف مبنى في الولايات العشر التي ضربها الزلزال، فضلا عن ناقوس الخطر الذي دقه عدد من عمد الولايات الأخرى بتركيا، على رأسها عمدة إسطنبول، الذي كشف أن مدينته تحتوي على 90 ألف مبنى معرضة للانهيار حال حدث زلزال في المدينة.

مصر أخطر حالا

الأمر في مصر لم يكن أحسن حالا، بل أسوء حظا، وأخطر حجما، حيث تعج مصر بمئات الآلاف من المباني القديمة المعرضة للانهيار، فضلا عن مئات الآلاف الأخرى التي تخرج عن معايير الأمن والسلامة، نتيجة انتشار البناء العشوائي في مصر، وغير المطابق للمواصفات الفنية والهندسية اللازمة.

حتى أن مدينة مثل الإسكندرية، التي يزيد فيها عدد المباني الصادر لها قرار إزالة نتيجة وجود خطورة داهمة، عن 30ألف مبنى، صدر لها قرار الإزالة ولم ينفذ، وذلك بحسب تصريحات مسئولين سابقين في أكبر مدينة ساحية تطل على البحر المتوسط.

بل إن العاصمة الثانية للقطر المصري (الإسكندرية)، والتي تسمى بعروس البحر المتوسط، فضلا عن أنها من أقدم عشر مدن في التاريخ، تشهد بين الحين والأخر كوارث وانهيارات عدد من مبانيها، الذي يروح ضحيته العشرات من المواطنين، نتيجة عدم مطابقة البنايات الحديثة للشروط الهندسية، في ظل حالة الفوضى التي ضرب مصر سواء كان قبل ثورة 25 يناير، أو بعدها، نظرا لفساد المحليات، وغض طرف نظام مبارك عن البناء العشوائي، وانشغال نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي بعد استلام السلطة 2013، بالصراع مع جماعة الغخوان على الحكم، وعدم الالتفات لمئات الآلاف من البنايات التي تم بناؤها بشكل عشوائي على مدار العشر سنوات الماضية، وحتى صدور قرار وقف البناء لأجل غير مسمى.

وشهدت الإسكندرية أفظع حوادث انهيار البنايات في مصر، حُصدت فيها أرواح العشرات. بحسب رصد أجراه «دفتر أحوال» لجميع البنايات التي سقطت بين عامي 2014-2016، فإن أكثر من نصف الانهيارات التي حدثت في مصر كلها كانت في محافظة الإسكندرية وحدها.

ليسلط الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا، الضوء على هذه الكارثة المحتلمة في مصر، نظرا لعدم امتثال المهندسين والمقاولين لشروط السلامة من الزلازل خلال عملية البناء.

3 مليون مبنى مخالف في مصر

وفي إحصاء صادر عن وزارة التنمية المحلية، كشف أن إجمالي عدد المباني المخالفة في مصر من عام 2000 وحتى 2017 بلغ 2.8 مليون مبنى من إجمالي نحو 13 مليونا و466 ألف مبنى في مصر، وفقا لتعداد 2017، ما يعني أن نسبة المباني المخالفة وصلت إلى 21% من إجمالي عدد المباني في البلاد.

ورأى حسن غطاس، عميد كلية هندسة بورسعيد والمتخصص في الهندسة الإنشائية، أنه في حال تعرضت البلاد لنفس الزلزال، فالنتيجة ستكون مماثلة وربما أسوأ، نظراً لزيادة التحميل على المباني، ما يزيد من تضررها بشكل أكبر من الهزات الأرضية، بحسب ما نقلت “صحيفة المصري اليوم”.

كذلك، اعتبر أنه يوجد سوء في تنفيذ العديد من العقارات ما يشكل أزمة أكبر.

كما أشار إلى أن البناء الجديد في المدن الجديدة أفضل وأقل تكلفة من الإصلاح، خاصة مع العدد الهائل للمباني المخالفة التي بنيت على مدار السنين الماضية مع عدم فرض الرقابة الكاملة وتحول هذه المباني مع الوقت لأزمة لسكانها والدولة في حال وجود أي أزمة مشابهة للزلزال.

قنابل موقوتة

فيما وصف الخبير الجيولوجي عباس شراقي، لنفس الصحيفة المصرية، هذه المباني المخالفة التي لا تلتزم بالمعايير القانونية في البناء بـ “القنابل الموقوتة.”

وبالرغم من تطمينات خبراء الزلازل في مصر بأن بلادهم بعيدة عن الأماكن النشطة للزلازل، يبقى في الطرف الأخر تحذيرات خبراء آخرون من حدوث زلازل قوية في مصر خلال السنوات القادمة، لتزيد من التحذيرات التي تصدر بالموازاة مع انتشار هذه المباني المخالفة لمعايير السلامة عامة، والتي تمثل مخاطر جمة!.

كيف يتم التعامل مع المنازل المخالفة بمصر؟

يحدد قانون البناء الموحد إجراءات التعامل مع المباني الآيلة للسقوط. في البداية، تقوم لجنة أو أكثر تابعة للشؤون الهندسية بالحي بمعاينة المبنى لتحديد ما إذا كان يحتاج إلى ترميم أو هدم جزئي أو هدم كلي.

وتقدم اللجنة تقريرها للجهة الإدارية المختصة، لتصدر قراراتها بناء على التقرير، وكذلك المدة اللازمة لتنفيذ هذا القرار. إذا كان القرار هدمًا جزئيًا أو كليًا، يجب عرضه على المحافظ خلال أسبوع على الأكثر من تاريخ استلام تقرير اللجنة.

يُخطر مالك العقار بقرار اللجنة، باعتباره الطرف المسؤول عن تنفيذ القرار ويتحمل تكاليفه المادية، وكذلك ساكنو العقار. وتُعلق نسخة من القرار في مكان ظاهر بالعقار. وإذا تعذر إبلاغ هذه الأطراف، تودع نسخة من القرار في الوحدة المحلية وقسم الشرطة التابع له العقار.

يحق للمالك التظلم خلال 15 يومًا من تاريخ الإبلاغ أمام لجنة تشكلها الجهة الإدارية. تفصل اللجنة في هذا التظلم خلال 30 يومًا من تقديمه، ويعتبر قرارها نهائيًا. ويلتزم المالك بتنفيذ هذا القرار بعد إبلاغه به.

هذه هي أول ثغرة في عقبة تنفيذ القانون. في بعض الحالات، لا يُعرف العنوان الحقيقي للمالك، وبالتالي لا يمكن إخباره بقرار اللجنة. وفي حالات أخرى، يمتنع المالك عن تسلم الخطاب الرسمي عبر دفع رشاوى للمحضرين. هذه الثغرة قد تتسبب في تعطيل تنفيذ القرار فترات كبيرة.

إذا أُبلغ المالك فعلًا، لكنه امتنع عن التنفيذ، تتحمل الجهة المختصة (السلطات المحلية) مسؤولية تنفيذ القرار على نفقة المالك عن طريق الحجز الإداري. وتتحمل الدولة نقل المستأجرين إلى مساكن أخرى، بحسب القانون.

في حالة الهدم الجزئي أو الكلي، تحتاج السلطات المحلية إلى إذن مسبق من القضاء المستعجل يسمح لها بالتنفيذ. وفي حالة الترميم، منح القانون المستأجرين الحق في تنفيذ أعمال الترميم دون إذن المالك وعلى نفقته عن طريق خصم التكاليف من الإيجار، وذلك بعد الحصول على إذن من القضاء المستعجل.

أبعاد الأزمة وصعوبتها

يقول خبراء ومعنيون إن الأزمة تنقسم إلى جزأين، الأول: يتعلق بالعقارات القديمة المتهالكة التي لا يتم هدمها واستبدالها بأخرى جديدة، نظرًا لارتفاع تكلفة الهدم والبناء.

والثاني: يتعلق بالعقارات المخالفة في الارتفاع وعدم اتباع إجراءات البناء السليمة والصحيحة، ورفض سكانها مغادرتها لعدم وجود بدائل.

وكما ذكرنا تشير إحصاءات حكومية أخرى إلى وجود 3 ملايين و233 ألفًا و635 مبنى بحاجة إلى ترميم، بين قليل ومتوسط وكبير، وتقع أغلب هذه المباني في الريف، الذي يستحوذ على 69.4% من عدد المباني على مستوى الجمهورية.

وهو ما أشار إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي -خلال إحدى مداخلاته التفلزيونية في فبراير/شباط 2021- بالقول إن نصف المباني السكنية في مصر عشوائية، وإنها تحتاج إلى 4 تريليونات جنيه (نحو 250 مليار دولار حينها) لهدمها.

وأوضح أن سبب المشكلة هو غياب الدولة سنوات طويلة، والفساد الإداري والتنظيمي، وحجم الطلب على المساكن الذي يصل إلى مليون وحدة سنويًا.

وأكّد السيسي أنه لا يستطيع هدم المباني المخالفة؛ لأن توفير البديل يحتاج في مدينة مثل الإسكندرية فقط، إلى مليون وحدة سكنية تصل تكلفتها إلى 400 مليار جنيه (25.5 مليار دولار في وقتها).

مع وجود هذا العدد الكبير من المنازل المهددة بانهيارها فوق رؤوس سكانها لأسباب تتعلق بسلامة العقار، بات هؤلاء من المحكوم عليهم بالموت مع تعليق التنفيذ، في ظل غياب البدائل أمام الكثيرين للنجاة بأنفسهم وأسرهم.

أزمة عصية على الحل

و توقّع عضو مجلس إدارة الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء محمد عبد الرؤوف استمرار انهيار العقارات السكنية، وقال إن هذه الأزمة مستمرة ولا يمكن وقفها؛ لأن الكثير من العقارات السكنية القديمة يحكمها قانون إيجار قديم.

ونقلت شبكة “الجزيرة” عن عبد الرؤوف إن ذلك القانون يكبّل يد المالك في إجراء أي صيانة لها؛ لأن الكثير منها قيمتها الإيجارية بضعة جنيهات وملكيتها تفرّقت بين ورثة كثر، ومن ثمّ يجب تحرير العلاقة بين المالك والمستأجر للحد من أزمة الانهيارات.

وأشار إلى التخبّط الواضح بشأن قانون التصالح في مخالفات البناء، ما يطيل من أمد الأزمة.

وأثار عبد الرؤوف مسألة غياب الأرقام الخاصة بحصر العقارات التي تشكل تهديدًا حقيقيًا على المواطنين للوقوف على حجم المشكلة، ومراعاة خصائص كل محافظة ومنطقة عند إصدار قانون التصالح في مخالفات البناء حتى يمكن تطبيقه.

ويلقي عدد من نواب البرلمان باللوم على سوء إدارة ملف العقارات المخالفة من قبل المحليات في المحافظات المختلفة وغياب الرقابة؛ الأمر الذي أدّى إلى زيادة المباني المخالفة، وانهيار العقارات وارتفاع الأدوار المخالفة للعقارات.

طرق الإنقاذ

وتقول الحكومة المصرية إنها أخذت على عاتقها وقف نزيف انهيار العقارات من خلال مسارات عدة، أبرزها: القضاء على العشوائيات والمناطق السكنية الخطرة، وبناء مساكن بديلة للمواطنين، ما يسهل عليهم الانتقال إلى مكان آخر وترك منازلهم.

وتعهّدت الحكومة بإعلان مصر خالية من المناطق العشوائية مع نهاية عام 2021، لكنه لم يصدر بيان رسمي بهذا التعهّد بعد، إلى جانب خلوها من المناطق غير المخطّطة في 2030، وذلك في إطار جهود توفير سكن آمن وكريم لكل المصريين.

واستفاد 1.2 مليون مواطن من تطوير المناطق غير الآمنة، التي بلغ عددها 357 منطقة في 25 محافظة، بإجمالي 246 ألف وحدة سكنية، بتكلفة بلغت 63 مليار جنيه (4 مليارات دولار حينها)، وهي تكلفة المشروعات والقيمة التقديرية للأرض، حسب التقرير الحكومي.

المسار الثاني، إجراء حصر لكل العقارات المخالفة والقديمة والمتهالكة والآيلة للسقوط في كل محافظة، تمهيدًا لاتخاذ إجراءات بشأنها، ومتابعة هدم العقارات الصادر بشأنها قرارات إزالة، لكن هذا المسار يتّسم بالبطء في التنفيذ، ويواجه الكثير من العراقيل أبرزها: عدم وجود بدائل للسكان، والأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة.

المسار الثالث، بناء المزيد من المدن الجديدة، وتوفير وحدات سكنية تناسب جميع الشرائح المجتمعية، حيث تقول وزارة الإسكان إنه تم توفير 2.8 مليون وحدة سكنية، من عام 2014 إلى 2022، وفّرت الدولة منها 1.2 مليون وحدة. كما تستهدف الوزارة تنفيذ 950 ألف وحدة سكنية جديدة، خلال الـ 3 سنوات القادمة، بإجمالي استثمارات 450 مليار جنيه، (الدولار = 24.45 جنيه).

المسار الرابع والأخير، العمل على إصدار قانونين، هما قانون البناء الموحّد، وقانون التصالح في مخالفات البناء منذ عام 2019، والذي تم إعادته للبرلمان لإجراء تعديلات بعد اكتشاف صعوبات في تطبيقهما، وسط انتقادات برلمانية ومجتمعية للتأخّر في إصدارهما، وعدم طرحهما للنقاش المجتمعي بشكل واف وكاف.

ومنذ ذلك الحين، أوقفت الحكومة إصدار تراخيص البناء في عموم البلاد باستثناء المدن الجديدة لحين إصدار تعديلات جديدة على قانون البناء الموحّد الذي يهدف إلى وضع اشتراطات فنية، وتحديد معايير هندسية لضمان السلامة الإنشائية للمبنى، ووقف البناء العشوائي وسرعة مواجهة المخالفين.

وقال السيسي نهاية العام الماضي خلال افتتاح مدينة أسوان الجديدة إن “الدولة سوف تظل تبني 10 سنوات قادمة، ولن يسمح بالبناء مرة أخرى لحين عمل آليات منضبطة بشأن تراخيص البناء”. وأضاف أنه لا توجد آليات منضبطة، وهذا ليس عيب المحافظ أو الوزير، وألقى باللوم على ما أسماه بالثقافة الشعبية التي امتدّت وخرجت عن السيطرة، وأصبحت ممارسات يصعب بالوسائل التقليدية والنظم مواجهتها.

خاص - مراسلين

شبكة مراسلين هي منصة إخبارية تهتم بالشأن الدولي والعربي وتنشر أخبار السياسة والرياضة والاقتصاد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews