تقارير و تحقيقاتعلوم وتكنولجيا

بعد نجاح DeepSeek تل أبيب تبحث عن مشروعها.. مأزق إسرائيل بين واشنطن وبكين ؟

ترجمة أبوبكر خلاف
يشهد سباق القوى العظمى نحو التفوق في مجال الذكاء الاصطناعي تسارعًا غير مسبوق، وكان أحدث تطور في هذا السياق هو إطلاق الصين لنموذج الذكاء الاصطناعي DeepSeek، الذي أحدث صدمة كبيرة في مختلف أنحاء العالم. فقد بدأت شركات التكنولوجيا وأسواق المال والجامعات والحكومات في تقييم ما إذا كانت هذه القفزة التكنولوجية الصينية ستؤدي أيضًا إلى تغيير التوازن الجيوسياسي.

في ظل التحديات التي تواجهها استراتيجية الذكاء الاصطناعي الوطنية الإسرائيلية، يحلل هذا المقال كفاءة النموذج الصيني الجديد وتكلفته الحقيقية مقارنة بالتكلفة المعلنة. ويخلص الكاتبان إلى أنه لا ينبغي الانبهار بالتطورات الصينية والانجراف وراء الحلول السريعة على حساب بناء بنية تحتية تكنولوجية وطنية تعزز السيادة الرقمية لإسرائيل.

“لحظة السپوتنيك” للذكاء الاصطناعي

تواصل التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي إذهال العالم، وكان أحدث هذه التطورات هو إطلاق نموذج الذكاء الاصطناعي R1، الذي ابتكرته شركة DeepSeek الصينية في أواخر يناير 2025، بالتزامن مع تنصيب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة واحتفالات رأس السنة الصينية.

أثار هذا التطور اهتمام وسائل الإعلام الغربية التي ركزت على ثلاث نقاط رئيسية:

  1. التكلفة المنخفضة المذهلة لتدريب النموذج، والتي قيل إنها لم تتجاوز ستة ملايين دولار، وهو مبلغ أقل بكثير من النماذج الغربية المنافسة.
  2. كفاءة الحوسبة العالية التي تتفوق بشكل ملحوظ على النماذج الأخرى.
  3. التكلفة التجارية المنخفضة لاستخدام النموذج، والتي تقل بنسبة كبيرة عن أسعار السوق الحالية مقارنة بنماذج مثل ChatGPT.

وسرعان ما طُرحت تساؤلات حول التأثيرات الأوسع لهذا التقدم العلمي والهندسي. إذ تشير التقديرات إلى أن الصين – التي تواجه قيودًا صارمة على تصدير التكنولوجيا من قبل الولايات المتحدة – قد تمكنت إما من تجاوز هذه القيود أو من تحقيق قفزة نوعية باستخدام معدات حوسبة قديمة متاحة لديها بالفعل.

قبل الكشف عن DeepSeek R1، كان الاعتقاد السائد في الأوساط التكنولوجية أنه لا يمكن إجراء الحسابات الضخمة المطلوبة للذكاء الاصطناعي إلا باستخدام أحدث المعالجات المتطورة، والتي تصنعها غالبية الشركات الغربية، وخاصة شركة NVIDIA الأمريكية. لذلك، أثارت هذه الخطوة ردود فعل متباينة، حتى أن البعض شبّهها بإطلاق الاتحاد السوفيتي للقمر الصناعي سبوتنيك عام 1957، واصفين الحدث بـ”لحظة DeepSeek” أو “لحظة السپوتنيك للذكاء الاصطناعي”.

إسرائيل في مأزق: بين واشنطن وبكين

أدى الإعلان عن النموذج الصيني إلى إشعال نقاش عالمي حول انعكاساته التكنولوجية والجيوسياسية، خصوصًا في سياق المنافسة بين الصين والولايات المتحدة على الهيمنة التكنولوجية. كما لم تغب إسرائيل عن هذا الجدل، حيث تواجه تحديات داخلية في مجال الذكاء الاصطناعي، إذ يتراجع تصنيفها في المؤشرات العالمية، وتعاني استراتيجياتها الوطنية في هذا المجال من صعوبات في التنفيذ، مما يهدد قدرتها على المنافسة عالميًا، كما فعلت سابقًا في مجالات مثل الأمن السيبراني.

الأزمة تفاقمت مؤخرًا مع صدور قرار تنفيذي من الرئيس الأمريكي جو بايدن في الأيام الأخيرة من ولايته، يصنّف دول العالم بناءً على أهميتها التكنولوجية وموثوقيتها السياسية في دعم الولايات المتحدة بمواجهة الصين.

  • التصنيف الأول (الفئة أ): يشمل 18 دولة، تعتبرها الولايات المتحدة حلفاء استراتيجيين، وتُعد الأكثر قيمة للتعاون في مجالات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة.
  • التصنيف الثالث (الفئة ج): يضم الصين، روسيا، إيران، وكوريا الشمالية، ويحظر تصدير أي تكنولوجيا ذكاء اصطناعي إليها.
  • التصنيف الثاني (الفئة ب): يشمل دولًا تخضع لقيود على استيراد معالجات متطورة لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، وهنا جاءت المفاجأة: إسرائيل أُدرجت ضمن هذا التصنيف لأول مرة.

ترى بعض التحليلات أن إسرائيل تعرضت لـ”ضرر جانبي” نتيجة المنافسة بين واشنطن وبكين، لكن هناك أيضًا اعتقاد بأن التصنيف يعكس عدم ثقة أمريكية متزايدة في قدرة إسرائيل على تطوير ذكاء اصطناعي متقدم دون الإضرار بالمصالح الاستراتيجية الأمريكية.

هذه القيود تعني أن إسرائيل ستواجه صعوبة متزايدة في الحصول على أشباه الموصلات المتقدمة، مما قد يعيق تطور برامجها الوطنية في الذكاء الاصطناعي ويؤدي إلى تراجعها في التصنيفات العالمية. القرار الأمريكي دفع إسرائيل إلى حالة تأهب سياسي واقتصادي، حيث تكثفت التحركات الحكومية والبرلمانية والصناعية لإيجاد حلول، سواء من خلال الضغط على إدارة ترامب لإلغاء القرار، أو عبر وضع خطة وطنية تعيد إسرائيل إلى الفئة الأولى.

هل ينبغي لإسرائيل أن تتعلم من الصين؟

وسط هذه الأجواء، ولّدت الخطوة الصينية شعورًا متضاربًا في إسرائيل. فمن جهة، أثار قرار بايدن حالة من التشاؤم في أوساط التكنولوجيا الإسرائيلية، حيث حذّر اتحاد الصناعات الإسرائيلي من أن القيود الأمريكية ستؤدي إلى “ضربة قاتلة” للقطاع. ومن جهة أخرى، أعادت قفزة DeepSeek الأمل في إمكانية تطوير إسرائيل لنموذج ذكاء اصطناعي مستقل باستخدام تقنيات غير مكلفة، مما دفع وزارة الابتكار والعلوم إلى الإعلان أن “النموذج الصيني يشير إلى إمكانية أن تكون إسرائيل من بين الدول الرائدة في الذكاء الاصطناعي دون الحاجة إلى استثمارات ضخمة”.

لكن الواقع أكثر تعقيدًا. فالمسألة لا تقتصر على الجانب التقني فحسب، بل تتعلق أيضًا بالتحليل الجيو-استراتيجي وتقييم التداعيات السياسية والاقتصادية لهذه التطورات.

النتائج والتوصيات

  1. تحليل تقني معمق: يجب التحقق من مدى قوة وكفاءة نموذج DeepSeek R1، وما إذا كانت التكلفة المعلنة لتدريبه حقيقية أم مضللة.
  2. التأثير على التنافس الدولي: هل تشكل هذه الخطوة الصينية تهديدًا لهيمنة الولايات المتحدة التكنولوجية، وهل تعكس ضعف سياسات الرقابة الأمريكية؟
  3. الانعكاسات على إسرائيل: هل يمكن أن يمثل DeepSeek فرصة لإسرائيل لتطوير ذكاء اصطناعي مستقل رغم القيود الأمريكية، أم أن الإغراء الصيني قد يؤدي إلى رهانات خطيرة على المدى البعيد؟

ختامًا، يحذّر الكاتبان من أن الانبهار بالتطورات الصينية قد يكون خطأً استراتيجيًا، إذ لا ينبغي لإسرائيل السعي وراء حلول سريعة على حساب بناء منظومة تكنولوجية وطنية مستدامة. فبدلًا من البحث عن “اختصارات”، يجب التركيز على الاستثمار طويل الأجل في البحث والتطوير لتعزيز سيادتها الرقمية وضمان مكانتها في سباق الذكاء الاصطناعي العالمي.

_مراجع
نظرة شاملة – العدد 1951 – 18 فبراير 2025
بقلم: أريئيل سوبلمان، ميخائيل جنكين

bakr khallaf

صحفي، مترجم وباحث في الإعلام والعلاقات الدولية، محاضر بجامعة إسطنبول التركية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews