إلغاء بطاقة «المرأة المعيلة».. قرار صامت يُفقِد آلاف السيدات حقهن في العلاج

شبكة مراسلين – خاص
لم تكن “س.ع”، مريضة أورام تعاني من ظروف اقتصادية صعبة فحسب، بل واحدة من آلاف السيدات اللواتي شعرن بصدمة حقيقية عندما رُفِض دخولهن إلى العيادات والمراكز التابعة للتأمين الصحي، بعد أن أُوقفت خدمات التأمين عن المرأة المعيلة بشكل غير معلن.
في لقاء خاص مع شبكة مراسلين، تحدثت سيدة أخرى تُدعى “ك.أ”، وتتقاضى معاشًا شهريًا لا يتجاوز 700 جنيه، عن معاناتها: “أنا مصابة بالسكري وبحاجة لعلاج مستمر، وأتردد على عيادات التأمين الصحي كل شهرين لصرف أدوية الإنسولين التي لا أستطيع تحمل تكلفتها من جيبي، والآن منعوا دخولي لأن بطاقتي لم تعد مقبولة “.
وتواجه السيدة “س.ع” واقعًا صعباً: “إذا أردت الاستمرار في العلاج في أي مستشفى آخر، عليّ أن أعيد الفحوصات والتحاليل من جديد، وكلفة ذلك آلاف الجنيهات، أنا لا أملكها“.
أما “ك.أ” مريضة السكري فتخشى على نفسها من الوقوع في دائرة الجوع والمرض معاً: “أنا مش عارفة أعمل إيه ب700 جنيه أشتري أنسولين، ولا أصرف منهم على عيالي“.
القرار غامض.. و”السيستم” يرفض الخدمة
كشفت شبكة مراسلين أن عددًا من المستشفيات والعيادات التابعة للتأمين الصحي في محافظة الجيزة بدأت برفض استقبال السيدات المعيلات المُسجلات ضمن نظام “تكافل وكرامة” أو الضمان الاجتماعي، بعد أن ظهرت رسالة داخل النظام الإلكتروني الخاص بالهيئة العامة للتأمين الصحي تفيد “بعدم أحقية المنتفع “في الحصول على الخدمة، دون إعلان رسمي أو تعميم من الجهات المعنية.
وأكد مسؤولون في إدارة إحصاء الهيئة العامة للتأمين الصحي بفرع القاهرة أن “التعليمات بعدم استكمال إصدار البطاقات مصدرها وزارة التضامن الاجتماعي “، مشيرين إلى أن “موظفي التضامن رفضوا إعطاء بيانات رسمية للسيدات لتمكنهن من تجديد البطاقات، وهو مؤشر على علم الوزارة بهذا القرار منذ فترة “.
3.3 مليون أسرة تعتمد على سيدات معيلات.. فما مصير صحتهن؟
بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن نحو 3.3 مليون أسرة مصرية من أصل 24.7 مليون أسرة تعتمد على امرأة كمعيل أساسي ، أي ما يقارب 13.5% من الأسر المصرية ، بينما تشير دراسات مستقلة إلى أن نسبة السيدات المعيلات في مصر تصل إلى 35% من النساء عموماً ، ومعظمهن يعملن في قطاع غير رسمي لا يوفر لهن حقوق التأمينات أو المساعدات الطبية.
وبالتالي، فإن إلغاء بطاقة التأمين الصحي للمرأة المعيلة، سواء كانت معيلة لأسرة أو لنفسها، يُعد ضربة قاسية تطال أكثر الفئات هشاشة في المجتمع المصري ، وتهدد بتفاقم الحالة الصحية لسيدات يعتمدن على هذه الخدمة الوحيدة المتاحة لهنّ.
الحكومة نفت سابقاً.. والآن أصبح واقعاً
سبق أن نفى المركز الإعلامي لمجلس الوزراء عام 2022 ما تداولته بعض المنصات من أنباء حول وقف الخدمات الصحية عن المرأة المعيلة، لكن الواقع الحالي يُثبت أن هذا القرار أصبح الآن قيد التنفيذ دون توضيح رسمي أو إشعار مسبق.
من المسؤول، ومن يتحمل التبعات؟
رغم الصمت الحكومي، إلا أن المصادر تشير إلى أن الجهة التي حرمت السيدات من استكمال الإجراءات هي وزارة التضامن الاجتماعي ، والتي تراجعت عن إعطاء البيانات اللازمة لاستكمال إصدار البطاقات.
وفي الوقت الذي تُعتبر فيه المرأة المعيلة أحد أهم فئات المجتمع التي تحتاج دعماً صحياً واجتماعياً متزايداً ، فإن قرار وقف التأمين عنها يبدو وكأنه “ضربة تحت الحزام”، كما وصفها أحد الباحثين في مجال المرأة والصحة.
فيما رأى آخرون أن “المشكلة ليست فقط في فقدان بطاقة التأمين، بل في عدم وجود بديل حقيقي للفئات الأكثر احتياجاً؛ فهؤلاء السيدات لا يقدمن على طلب المساعدة إلا حين يصبح المرض خطراً حقيقياً على حياتهن، وعندما لا يجدن أمامهم سوى العجز والانتظار “.
هل ستُعيد الحكومة النظر أم ستصبح المرأة المعيلة ضحية للسياسات الاقتصادية والصحية؟
في غياب تصريحات رسمية، تبقى الآلاف من السيدات في حالة ذعر وترقب ، وسط تخوفات من أن يكون هذا مجرد بداية لسلسلة تقليصات تمس فئات الشريحة الأكثر احتياجًا.
ومن المؤكد أن هذا القرار، حتى لو كان إداريًا أو مرتبطًا بتقنين موارد الهيئة، لن يمر دون ثمن باهظ على المستوى المجتمعي والصحي، خاصةً مع ارتفاع معدلات الأمراض المزمنة بين فئات الشعب ذات الدخل المحدود، والتي تمثل فيها المرأة المعيلة العمود الفقري للأسرة .
الوقت يداهم أكثر من 3 ملايين سيدة، والأسئلة تتضاعف، بينما الإجابات تغيب، والمسؤولية تتوزَّع بين وزاراتي الصحة والتضامن الاجتماعي وهيئة التأمين الصحي، بلا حلول فعلية.
شبكة مراسلين تواصل التحقيق، وستنشر المزيد من التفاصيل إذا توفرت.