محمد صلاح الدين يكتب: «حديثي عن الفساد» (2) صناعة الضمير الحيّ هو السلاح الأقوى لمكافحة الفساد المؤسسي
شبكة مراسلين
بقلم/ محمد صلاح الدين
مستشار تطوير أعمال ومدرب معتمد، ومؤلف ميثاق الدار الوظيفي
في هذه الحلقة نتحدث عن أهمية صناعة ضمائر حية داخل المؤسسات، مبينًا أن القيادة مسؤولة أولًا عن بناء ثقافة مؤسسية تحمي من الفساد وتعزز النزاهة وتقوم بواجب المسؤولية المجتمعية والضميرية التي تبدأ من داخل المؤسسة وتنعكس على نجاحها الخارجي.
في الحلقة السابقة والتي كانت بعنوان: الفساد والتعسف إفساد أشرت إلى قضايا مهمة، نضيف إليها:
• أن تحقيقات الفساد قد تتطلب تحقيقات تُشارك فيها أطرافًا ثالثة محايدة حتى تتمتع بالنزاهة والشفافية.
• أن فكرة “الاستصلاح الإنساني” وإعادة التأهيل الوظيفي فكرة جوهرية للتأكيد على قواعد الامتثال والقيم المؤسسية والأخلاق الوظيفية وتحقيق قيم العدالة المؤسسية والإنسانية.
• أن إدارة التحقيقات الإدارية لا بد أن تتم في إطار من المهنية والأخلاقية وأن تعريف الفساد ينبغي أن يُترك لكل مؤسسة لتعريفه وفق ما ترى، وأن فكرة التصدي للفساد بالقانون وحده فكرة ساذجة لأن الاحتيال على القانون والتلاعب به وتوظيف ثغراته لصالح الفساد أصبح متاحًا بشكل غير مسبوق في العديد من المؤسسات والدول.
• أن من أدوار المسؤولين الإنسانية والوظيفية منح الفرص وتوفير بيئة تُشجع على الإصلاح والتقويم، ومن يُرد تقييم نفسه من حيث القرب أو البُعد عن هذه الفكرة (فكرة خلق البيئة الإصلاحية التي تتبنى نهج الإصلاح المستمر) فلم يعد التفكير في خلق البيئة الصالحة مناسبًا لطبيعة المرحلة التي تعيشها المنظمات اليوم.
ومن يرد أن يعرف أين يقف من هذه المسألة ويقيّم منظمته هل هي منظمة صالحة أم مُصلحة فعليه أن يضع التوصيفات والمعايير التي تُفرق بين فكرة الصلاح والإصلاح من منظوره المؤسسي أولًا، وأن يرى اهتماماته بموضوع الفساد، ويضع إجابات عن هذه الأسئلة:
1. هل لدى المنظمة سياسة واضحة ومكتوبة لتعزيز النزاهة والوقاية من الفساد ومحاربته؟
2. هل تعكس إجراءات المؤسسة الاهتمام بالقوانين والتشريعات والآليات والإجراءات والسياسات والنماذج لمحاربة الفساد ضمن الإجراءات المتبعة في نظام الأيزو و تطبيقها أم؟
3. هل لدى المنظمة ميثاق للتعامل الأخلاقي يُميز بين ما هو أخلاقي وما هو غير أخلاقي وما هو غير أخلاقي وغير قانوني للموظفين؟
4. هل يتم تدريب الموظفين ولو مرة واحدة على الأقل في العام على القيم والأخلاق الوظيفية وتعزيز معايير النزهة؟
5. هل لدى المنظمة اهتمام جاد بتعزيز الضمائر الإنسانية أم تهتم باللوائح والنظم والإجراءات فقط؟
إن الحديث عن الفساد يبدأ بمُساءلة الذات ومحاولة فهم طبيعتها “المادية والمعنوية” وتحديد أسباب الفساد ومكوناته التي يتشكل منها، وعناصره التي يكتسب منها خصائصه الفاسدة، وبيئته التي يترعرع فيها، وقنواته التي يسرح ويمرح بها.
أو بمعنى آخر فإن النظر لظاهرة الفساد المُستشري في بعض المنظمات والمجتمعات تحتاج إلى نظرة متوازنة بين التشريعات القانونية وصناعة الضمير المؤسسي (الفردي والجمعي) وخلق درع أخلاقي وقيمي قبل الاهتمام بالدرع التشريعي والقانوني، وإلا فكم مؤسسة كبرى وقعت في كوارث فساد أثرت على العالم أجمع وكان لديها من التشريعات والقوانين الرادعة ما يُفترض نظريًا أن يمنعها من الوقوع فريسة للفساد وحتى الانهيار، لأن القانون وحده لا يكفي إلا أن تًصاحبه ضمائر حية وأخلاق قوية وقيم مُستقيمة وثقافة مؤسسية إصلاحية.
وهذا ما سنحاول الطواف حوله في المقالات التالية من هذه السلسلة بإذن الله.