في ذكرى رحيله.. أسرار البابا شنودة
بقلم – أميرة أسعد
هو حكيم فى بساطته ….وبسيط فى حكمته ….صارم وجاد فى قراراته….وحنون وهادئ فى معاملاته رغم كل ما يحمله جسده من أمراض وألم …..شاعر وصحفي مميز ….دائرة معارف متحركة فى مختلف المجالات وشخصية كاريزمية لن تتكرر….رمز للوحدة الوطنية هو قداسه البابا شنودة الذى سيبقى خالدا فى وجدان أبنائه.. فكثيرا ما حلمت أن أجري معه حوارا صحفيا، أو حتى أقابله لتحتضن يداه يدي، ولكن حلمي لم يتحقق في مصر فوجدته على أعتاب الولايات المتحدة الأمريكية، وقابلته أكثر من مرة.
ولكن لم يكتمل الحلم بأجرأ حوار معه وأصبح الموت حائل بيننا ولكنى استطعت أن أحقق ولو شئ بسيط من حلمي بالكتابة عنه.
هذه بعض أسرار قداسة البابا شنودة في كليفلاند الذي كان دائما ما يقول عنها بيته الثاني.
ويقول القمص ميخائيل راعي كنيسة سانت مارك بكليفلاند: “بدأت معرفتى بقداسه البابا عندما كان اسقف للتعليم ومدير الكلية الأكليريكية ومسئولا عن المعاهد الدينية والتربية الكنسية وذلك سنه1962، فكنت أحضر له محاضرات يلقيها على الشعب كل يوم جمعة.
وفي 1968 قررت أن أتتلمذ على يده في الكلية الإكليريكية وفي سنة 1972 تخرجت في الكلية وأرسلني البابا كشماس مكرس في كنيسة العذراء بمسرة، وكان مهتما جدا بالمهجر وقتها فأرسلنى كأول شماس مكرس وهو(مساعد كاهن) في أمريكا بكنيسة العذراء والأنبا أنطونيوس لمدة سنة. ثم قال لي من الأفضل أن تخدم ككاهن ووقتها كان لا يوجد فى أمريكا، سوى كنيستين، أما الآن فيوجد أكثر من 287 كنيسة، وبالفعل في سنة 1974رسمنى بنفسه كاهنا، وكان يود أن يرسلني إلى كنيسة نيويورك، ولكن الشعب في كليفلاند طلب منه أن نفتح كنيسة هنا . وبالفعل أرسلنى إلى كليفلاند وفي البداية كنا نصلي في كنيسة بالإيجار.
وبتوجيهات قداسته فى مارس1977 اشترينا كنيسة صغيرة ودشنها وافتتحها بنفسه ومكثنا بها 11 سنة حتى قمنا بشراء كنيسة أكبر ودشنها في سنة 1989، فهو كان يريد أن ينشر ويدعم الكنيسة الشرقية الأرثوزكسية في الخارج، وكان دائما ما يشجعنى على النجاح والدراسة، ففي سنه1981 فعندما حصلت على الماجيستير والدكتوراة فى علم الرعاية والارشاد من احدى الجامعات الأمريكية أرسل لي كارت تهنئة من دير الأنبا بيشوى لأن إقامته كانت محددة هناك. وسنويا كان يطلب مني أن أكتب له تقريرا عن حالة الكنيسة والشعب، بالإضافة إلى أنه كان يحضر الاجتماع السنوي لكهنة أمريكا وكندا.
ومنذ رحلته فى سنة 1989 وهو يأتي إلى كليفلاند في كل زيارة لأمريكا لأنه كان يحب الكنيسة وشعبها هنا. وكان دائما ما يقول كليفلاند هي بيتي الثاني، ومن أقرب الأماكن إلى قلبى.وفى خلال هذة الزيارة طلبنا منه عمل فحوصات فى كليفلاند كلينيك للاطمئنان على صحته.ومنذ زيارة قداسته فى 1991 وهو ينزل في بيتي حتى عام 2007 عندما كسرت قدمه وأجريت له عملية هنا وأصبح لا يستطيع صعود السلالم فلذلك بدأ ينزل فى بيت الكنيسة ثم بعد ذلك فى الفندق الملحق بالمستشفى.
كان البابا شنودة، بسيطا فى كل شئ “فعندما اسأله تحب تأكل ايه ياسيدنا النهارده يقول اللى تقدمه وكان أكله بكميات قليله جدا وكان دائما ما يردد عبارة (واى بيتا دخلتموا كلوا مما يقدم لكم وليس كل ما يقدم لكم”، وكانت له حجرة بحمام مخصصه له فى منزلى وكان يحب جدا الجلوس في حديقة المنزل ونتحدث في أمور الحياة المختلفة، وتعلمت منه الكثير والكثير، فهو كان بسيطا وحكيما في نفس الوقت، وكان دائما يقول: “كونوا حكماء كالحياة وبسطاء كالحمام لأنه إن خلت الحكمة من البساطة تصبح مكرا ودهاءا وإن خلت البساطة من الحكمة تكون سذاجة وعبط”.
وكثيرا ما زاره في بيتى شخصيات مصرية مهمة مثل الدكتور أسامه الباز والسفير المصري والمندوب العسكري، وكان يوصني إذا جاء إحدى الشخصيات الكبيرة مثل عاطف عبيد وزكريا عزمى أو أحد الوزراء أو رؤساء الوزراء للعلاج مثلا في كليفلاند كلينيك اذهب لزيارتهم وقدم لهم الهدايا باسم قداسة البابا. وكثيرا خلال وجوده هنا كان يتصل به الرئيس السابق حسنى مبارك ومن بعده المشير طنطاوى للاطمئنان على صحته.
وكان خلال اليوم يفضل أن يشرب نعناع وينسون أكتر من القهوة والشاى. ولكن إذا كان يكتب مقالا أو يحضر محاضرة يحب يشرب فنجان قهوة تركي.
وفي إحدى المرات كان يحضر لمحاضرة عن الله سيلقيها في إحدى الجامعات الأمريكية وحضرحوالى 43 فى ثلاثة أيام وكنت أشاهده وبيده الكتاب المقدس كان يقلب فيه من سفر لسفر ومن آية لآية دون أن ينظر للفهر،س لأنه حفظه عن ظهر قلب، فقلت له ياسيدنا إنك تقلب فى الكتاب وكأنك تعزف قطعة موسيقية على بيانودون، نظر وابتسم بهدوء.
وكثيرا ما كان يكتب مقالات لصحيفة الأهرام فى كليفلاند وكان يحب أن يكتبها يوم الخميس، وكثيرا ما كان يكتبها بنفسه أما إذا كان متعب جدا كان يمليها للأنبا أرميا.
وفى إحدى المرات أملانى إحدى المقالات.وكان ملتزم كل يوم أحد بأن يقرأ كل التعليقات عن المقال وفى إحدى المرات طلب منى أن اقرأ له التعليقات أثناء تناوله الطعام وبالفعل قرأتهم له ماعدا تعليق واحد.
كان به هجوم بشكل غير لائق فقال لي: “هل هذه كل التعليقات”، فقلت له: ” ياسيدنا فى تعليق واحد لم اقرأه لأنه…فقاطعنى انا عارف بيهاجمني، فقال لي اقرأ فهذا لا يزعجني أويضايقني أبدا”، وكان هناك الكثير من التعليقات من المسيحيين والمسلمين التى تقدر قداسة البابا وتحترمه. وكان يقدر ويهتم بكل التعليقات وكان يحب ويقدر الجرائد جدا ، وكنت أتمنى أن يتم الاتفاق ما بين الكنيسة واحدي المؤسسات الصحفية على عمل كتاب لتجميع مقالات البابا شنودة من كل الجرائد لأنها بها الكثير من الأفكار والموضوعات المهمة التى ستفيد الجمهور.
وخلال زيارته الطويلة لكيفلاند والذى اجرى فيها عمليات كبيرة مثل عملية الغضروف وأخرى كسر في الفخد وخلال كل عملية كان يمكث ما يقرب من 4 شهور.
وبأمر من الحكومة المصرية كانت ترسل له السفارة كل الجرائد المصرية والعربية وكان يحب أن يطلع عليها جميعا فى الصباح .
وخلال هذه الزيارات كان ينزل فى الفندق الملحق للمستشفى وكان له جناح فندقي خاص ملحق به ثلاث حجرات واحدة للأنبا يؤانس والاخرى للأنبا أرميا والثالث كانت لي لأنى كنت ملازم له طوال رحلاته لخدمته.
ومن المواقف التي شعرت بحنيته الشديدة عليا عندما كنت اخدمة في المستشفي وكان المفروض معى جرس لو احتاجنى يرن الجرس ولم يدقه طوال الليل ففى الصباح قلت له ياسيدنا خايف يكون قداستك رنيت الجرس فقالى ماحبتش اتعبك فشعرت انه كان يحتاجنى ولكنه لم يريد ان يزعجنى فى الليل من محبته لى .وكان يحب ان يستيقظ فى السادسة صباحا يأخذ الادوية ثم الافطار في السادسة والنصف وكان يحب ان يأكل فول فى الصيام ولكن كل اكله كان بكميات بسيطه ؛والساعة 8 صباحا يكون على سرير المستشفى للغسيل الكلوى.وخلال الاربع ساعات للغسيل الكلوي يقوم بكتابه المقالات ويستقبل تليفونات هامه وقداسة البابا ليس له تليفون خاص ولكن كان يستقبل التليفونات على تليفونات الاساقفة او تليفونى الخاص. ثم بعد ذلك يرتاح في حجرته ويبدا مقابلات من العالم كله سواء من الكنائس الاخري الكاثوليكيه مثلا او من السفراء او من ابناء الكنيسه للاطمئنان علي صحته واتذكر مشكله دير ابوفانا حضر عضو مجلس الشعب الي كليفلاند للمشاوره في كيفيه حل المشكله.وكان ينام ما بين الساعه 11-12 ليلا.
واكثر المواقف الانسانيه لسيدنا انه عندما يعلم بمرض اي شخص من ابناء الكنيسه سواء في نفس المستشفي الذي يعالج فيه او اي مكان اخر كان يزوره فلدينا دكتور في الكنيسه حدث له شلل رباعي خلال حادث فزاره مرتين وكان ليس له سابق معرفه به .
وعندما وضعت ابنتي شيري طفلها ذهب لزيارتها في المستشفي وكذلك هو الذى عمد طفلها. وكان دائما يقول (كنت مريضا فزرتموني) والشخص الذي يزور مريض كأنه زار المسيح.وسيدنا كان مطيع جدا للامن ففي احد المرات في نيوجيرسي حب شحص ان يدخل الاسانسير معه فالامن منعه فبدا في الاشتباك مع الامن فسيدنا قاله يا حبيبي اسمع كلام الامن اذا كنت انا بسمع كلامهم.
وسيدنا كان يتالم لالم الاخريين فيكون سعيدا جدا عندما يري من حوله سعداء وكان ايضا يحزن لهموم الاخرين وكان دائما يقول لنا اما ان تتعبوا وتريحوا الناس او انكم ترتاحو والناس تتعب والافضل ان تختار التعب لترتاح الناس… فمثلا في المحاضره يوم الاربعاء الاخيره نزل المحاضره رغم تحذير الاطباء له وكان رافضا النزول علي كرسي متحرك لانه كان حريص علي مشاعر الشعب حتي لا يصابون بالقلق والخوف عليه. فحتي اخر لحظه كان وجهه بشوش رغم كل مايحمله من الم وامراض……وكان يحل الازمات والمشاكل بالنكت فأتذكر موقفا قصه علينا عندما قال للسادات نكته الكنيسة وعشرين جامع تعبيرا عن صعوبة بناء الكنائس فى مصر.
ومن اكثر المواقف التى لن انساه ابدا ودليل على تواضعه فى سنه1970 قبل رسامتى كاهن كنت مجرد تلميذ فى الكلية الاكليريكية توفى اخى فى الجيش وجاء البابا شنودة وعزانى فى بيتى وحضر جنازة الاربعين فى الكنيسة .ام العبارة التى لن انساه ففى حفلة اليوبيل الفضى لكهنوتى هنا فى الكنيسة قال نصا بيت ابونا ميخائيل هو بيتى وعائلته هم عائلتى وابونا ميخائيل هو صديق لى .فعندما سمعت هذه الكلمات كنت فى قمة سعادتى التى لا يمكن وصفها ابدا.وعندما كان احد يحضر له هدايا مثلا اقلام سبح او شرابات او اى نوع من الهدايا كان يوزعها على الاساقفه وانا معهم بالتساوى .وكان يحضر معه سبح اسلامية حتى اذا زاره احد السفراء او المندوبين يقدمها لهم حتى انه عندما قدم لاحمد زويل سبحه قال له انه ترك سبحته الخاصه واستخدم هذه السبحه.وكان دائما مايرسلنى سيدنا مندوب عنه فى البلاد المختلفه لشراء الاراضى وبناء الكنائس .فسافرت البرازيل وبوليفيا والمكسيك وسانت كيتاس وسان توماس وغيرها من البلاد وكان دائما ما يتابعنا خطوة بخطوة وكان يسافر بنفسه ليقوم بتدشين وافتتاح الكنائس.
ويضيف القمص ميخائيل فعندما سأل البابا لماذا لم يضع خليفة له قال ليس اسلوبى واستشهد بقصةعمر بن الخطاب عن تحدث عن الخلافة وقال لا اريد ان اتحمل مسئوليتها حيا وميتا .
ويتذكر القمص ميخائيل زيارته الاخيره وبداخله الم شديد فيقول من المفترض ان كان البابا ياتي للعلاج في اخر فبراير قبل نياحته ولكن نظرا للتعب الشديد جاء اخر يناير ولكن هذه الزياره كانت مختلفه لانه كان متعب جدا وكانت اقل زياره بها كلام ومقابلات. وكان بياخد ادويه تقلل من المناعه لديه فلذلك كنا نقلل من زيارته ورفضنا ان يقابل اي حد من شعب الكنيسه ولكن في اخر يوم تجمع الكثير من الجمهور قبل سفره للاطمئنان علي صحته وبالفعل قابلهم ليطمئنهم علي صحته.وبعد سفره قررت ان اسافر مصر للاطمئنان عليه وبالفعل سافرت قبل نياحته بحوالى ثلاث اسابيع وكان متعب جدا جدا واتذكر اخر لقاء معه كان فى قلايته وقالى احب اشكرك على تعبك معى كل دقيقة وثانية وساعة وايام فقلت له كم مليون شخص يتمنى خدمتك ياسيدنا .واحب ان اشكر قداسة البابا المعظم الانبا تواضروس الثاني علي موافقته علي تحويل المكان الخاص بقداسة البابا شنودة الثالث في بيت الكنيسة وبه الاغراض الخاصة بقداسته مثل ملابسة وفنجان القهوة الخاصة به وسريرة وغيرها من اغراضة الي متحف صغير بل ارسل لنا من مصر الكثير من متعلقاته كالتاج وعصا الرعاية وطقمين كاملين من الملابس احدهما الذي كان يستخدمها اثناء القداسات وطقم اخرا. ورغم حزنى الشديد الذى لا يمكن وصفه على قداسة البابا الذي اشعر انه مازال موجودا بروحه معى بالشرائط والكتب والمقالات الخاصه به واتذكر كل نصائحه لى .
وبدأ القس مرقس غالى راعى كنيسة سانت مارك بكليفلاند حديثة بان : قداسة البابا شنودة هو الذى رسمنى كاهنا بأسم مرقس علي اسم عمى لأنه كان كاهن وكيل البطرخانه والقائم باعمالها وسيدنا كان يحبه جدا ولكنه تنيح قبل رسامتى لذلك سيدنا قال لي هانسميك مرقس فى الكهنوت حتى يظل اسم مرقس موجودا. وبدأت علاقتى تتطود بسيدنا منذ ان انتقلت من كنيسة نيويورك الى كليفلاند .وتعلمت واستفدت من سيدنا الكثير روحيا وانسانيا .واكثر نصائحه ليا عندما كنت اسأله عن اى مشكله كان يقول لى لا تحكم على الامور من زاوية واحدة يجب ان ترى المشكلة من كل جوانبها وتحلل الامور ولا تتسرع وتأخذ قرارا سريعا فى اى مشكلة . فهو كان دائما يقول ان كليفلاند هى بيتى الثانى واعتقد انه كان يشعر بهذا الاحساس بعد ان اجرى عملية الغضروف ومكث حوالى4 او 5 شهور وهو مرتبط بالكنيسة وشعبها وكثيرا ما عقد اجتماعات للشعب وصلى قداسات فى الكنيسة.والبابا شنودة كان محبا جدا للاطفال وكان يحب اطفالى ويسأل ويطمئن عليهم باستمرار وكان يلعب مع انتونى ابنى بوكس وهما تأثروا وحزنوا جدا عندما عرفوا بوفاته وشعروا وكأن جدهم توفى .ومن اهم سمات سيدنا هى البساطه والذوق فعندما يطلب منى طلبا لابد ان يقول لو سمحت ويشكرنى بعدها .وكان يقول لازم ان نتعامل مع الناس بلطف واحترام سواء كبيرا او صغيرا حتى يحترمك الاخرين.وعندما كان يصل الى كليفلاند اكون سعيدا جدا لانى اعلم اننى سأتعلم واستفيد من وجوده فكنت انصت الى كل كلامه والاحظه بحرص لاتعلم منه .وزيارته الاخيرة كانت من اصعب الزيارات عليا لانه كان متعب ومريض جدا وكنت اشعر انها ستكون اخر زيارة له واعتقد انه كان يشعر بذلك ايضا فعندما ودعناه فى المطار نظر لى نظرة عميقة وكأنه يودعنى وقالى ربنا معاك ياأبني. واشعر الان بالحزن الممزوج بالفرح.الحزن على فراقه وانه شخص لن يتعوض فأشعر باليتم لانه كان اب لنا بمعنى الكلمة واب للكنيسة كلها .اما الفرح لانه استراح من اتعابة والامه التى من الصعب ان يتحملها بشر وانه وصل للحظة التى كان يتمناه وهى انه يترك العالم ليحصل على الابدية.
وعندما سألنا الدكتور شريف سلامة (الطبيب المعالج لقداسة البابا قبل نياحته قال
لا استطيع التحدث عن الحالة المرضية لقداسة البابا وخصوصا بعد تياحته ولكن احب ان اتحدث عن البابا شنودة الانسان وهو مريض
فهو مريض واع ملتزم بمواعيد العلاج وعندما كان يسألنا عن شيء يخص علاجه كنت اشعر بأنه
مريض ذو معرفة بحالته وكان يريد أن يزيد من معرفته بالاثار والامراض الجانبية مثلاً ، وكان ذلك جزءا من شخصيته ومهما اشتد الالم أو المرض على سيدنا لم أراه يخرج عن هدوئه ابداً ، ومهما اخبره الدكاترة عن شيء خطير يخص مرضه لم أرى نظرة حزن واحدة في عينيه ، بالعكس كان دائماً يقابل أي خبر ممكن أن نراه كارثة على أي انسان بالبشاشة والابتسامة ، ويرى ان الابتسامة هي أقرب الطرق لحل المشاكل .ومن المواقف التى لن انساها ابدا طوال حياتى ان البابا شنودة زار كل الاطباء المعالجين له فى منازلهم .ولا استطيع وصف سعادتى وسعادة اسرتى كلها بهذة الزيارة .
ولأول مرة اشعر بهذه المشاعر المؤلمة والحزن لفقدان شخص يعتبر أبا لي ، فانا احب سيدنا منذ أن كنت في كلية الطب بمصر ، واجتمع معنا في دير الانبا بيشوي فانبهرت بذكاءة وخفة دمه ولكن بداية علاقتي المتوطده به ، وعندما بدأت زيارته المتكررة في كليفلاند وخصوصاً بعد عملية الانزلاق الغضروفي ، لاني كنت اعمل في كليفلاند كلينيك ولكن وظيفتي الاساسية لسيدنا ليس الطب ولكن القاء النكت ورسم البهجة على وجه سيدنا ، قبل كل زيارة كنت احضر واذاكر النكت وادخل على الانترنت واشتري كتب للنكت لاننا اثناء جلستنا لمدة ساعة مثلاً نصفها انا اقول نكتة وسيدنا يرد علي بنكته طوال الجلسة مهما كان مريضا او متألما كان بشوش ، وفي مرة قاللي يا شريف لازم انت تعمل كتاب للنكت وانا اول واحد اشتريه فقلت له النكت على الانترنت يا سيدنا فقاللي اعمل شريط فيديو لانك جيد في ألقائها وابتسم بهدوء ، ومن اكثر النصائح التي كان ينصحني بها ان اقول الصراحة مهما كانت النتائج وفي مرة بعد الثورة كان يقول دائماً للأساقفة ألا يتسرعوا في اعطاء أرائهم عن أي شيء حتى لا يؤخذ بكلامهم بأي مغزى آخر ، خصوصاً ان الصراحة افضل مهما كانت النتائج ولكن بشرط الا تجرح احدا . وكان دائماً يقول لي لو تحدثت له في موضوع معين أن الرب يفتح ولا أحد يغلق ، ويغلق ولا أحد يفتح فلا تقلق وفقط صلي وربنا موجود ، اخر زيارة لسيدنا هنا كان متعب جداً ورغم ذلك قبل سفرة دخلت امرأة لتسلم عليه وكان معاها طفلان توأم فاخذهم منها وبدأ يلعب معهم رغم ما يحمله من ألام فتصور معهم وقبل سفره قالت له هاتوحشنا يا سيدنا فنظر لي نظرة عميقة جداً لا يمكن أن انساه طوال عمري وقالي انتوا اللي هاتوحشوني وكانت هذه اول مرة يرد علينا بهذه الكلمة منذ سنوات طويلة ، ثم صمت لحظة وقالي يجد هاتوحشوني جداً والغريب الذي لا حظت بعد انتقاله انت عندما وصلناه للمطار وبعد أن سلمنا عليه كلنا ونزلنا من الطيارة من أول *** للطيارة حتى ان طارت وغابت عن وجهنا وهو يشاور لنا حتى ان الدكتور ثروت باسيلي من استغرابه صورها فيديو وعرضت بالسي تي في (احدى القنوات المسيحية) وكأنه كان يريد ان يودعنا او يقول انها اخر زيارة ، وبعدها كنت تقريباً احلم به يومياً فطلبت من ابونا ميخائيل ان ننزل نزوره في مصر ، بالفعل سافرنا قبل نياحته بحوالى 20 يوما وعندما علوم الاساقفة بنزولى طلبوا منى ان احضر معى حقن مسكنه للالم لان الم ظهرة كان زائدا جدا فى الفترة الاخيرة وبالفعل نزلا 4 ايام وثانى يوم اعطيته الحقنه فى مستشفى السلام وبعدها سألته الالم خف ياسيدنا فقالى نشكر ربنا وبعد كده مش هاشكرك على النكت بس وهاشكرك كمان على تسكين ألامي كمان .واخر لحظة قبل سفرنا كانت لحظة صعبة جدا لانه كان مريض وتعبان جدا وكنت اشعر انها اخر مرة سأراه فيها واخر كلمه قالها لى هاتوحشنى يادكتور شريف ..واناا حزين جدا جدا على فراق سيدنا وحتى زوجتى قالتلى انا عمرى ماشوفتك حزين ومتأثر بشخص لهذا الحد ولا حتى عندما توفى اقرب الناس لك. فسيدنا كان بالنسبة لي ابا حنونا وهو اكبر واهم شخصية اتعرفت عليها فى حياتى وفى كل زيارة كنت اعد الايام وانتظر الزيارة اللى بعدها فأنا احب كليفلاند لانها جعلتنى اتعرف على سيدنا من قرب.وعزائى الوحيد انه فى مكان افضل بكتير ويصلى من اجلنا .
ويقول بيشوى القمص ميخائيل المحامى وهو احد الشباب المقربين من قداسة البابا:عندما تنيح سيدنا شعرت وكأنى جدى هو الذى توفى وحزنت علية جدا جدا لانى كنت قريب منه .فأنا اتذكر سيدنا منذ ان كنت طفل واخذت معه اول صورة وعمرى كان سنه ونصف تقريبا حتى انه كل ما يتصور مع طفل يقولى فاكر الصورة بتاعتك يابيشوى .وكنت دائما اسافر مع والدى لزيارة سيدنا فى مصر .وكان مهتم جدا جدا بالمهجر وخصوصا الشباب ودائما كان يقول ليا كنيسة بدون شباب…كنيسة من غير مستقبل وكنت ارد عليه واقول وشباب من غير كنيسة شباب من غير مستقبل .وفى سنه 1997عينى مندوب الكنيسة فى مجلس الكنائس الامريكى وهومندوب الشباب وممثل من كل طائفة ويجتمعون سنويا للجمعية العمومية بالاضافة الي اجتماعات اللجان على مدار السنه ونتحدث فى مواضيع اجتماعية وانسانية لها علاقة بالكنائس مثل دور الكنائس فى مكافحة الفقر والبطالة .وفى سنه 1998 جعلنى مندوب الكنيسة القبطية فى مجلس الكنائس العالمى وبيجتمعوا كل 7 او 8 سنوات وكل اجتماع بيكون فى قارة مختلفة. وفى سنه 1997 ارسلنى بالنيابة عنه الى تركيا فى مؤتمر عن دور الكنيسة فى حماية البيئة تحت رعاية البطريرك المسكونى بارسليماوس رئيس الكنائس البيزنطية (الروم الارثوزكوس وكذلك المؤتمر الثانى .وبعدها كتبت كتاب عن دور الكنيسة فى حماية البيئة وسيدنا كتب لى المقدمة وكذلك البطريرك المسكونى.وفى سنه2000عينني كأول مدير لمكتب العلاقات المسكونية فى امريكا ووقتها كنت اعيش فى نيويورك وكنا بنتجمع مع كل الطوائف من السوريان والارمن والاحباش والهنود والارثوذكس الشرقيين ونقوم بعمل صلاة مشتركه وبارشاد سيدنا كنا نصلى صلاة مشتركة فى افتتاحية الامم المتحدة مع سفراء البلاد المختلفة للبركة وذلك فى اخر شهر سبتيمبر.فمنذ سنه 1991 وسيدنا ينزل فى منزلنا وكنت بكون فى قمة سعادتى واشعر ان جدى فى المنزل معانا .فكان بسيطا فى كل شئ فعندما تسأله والدتى تحب تاكل اية كان دايما يقول لها اللى تطبخية ولما تقوله مثلا جرب هذا النوع لان طعمه حلو يقول لها ماهو علشان حلو انا مش هأكل منه .وكان دائما فى الصيام يميل للفول وفى الافطار يحب الاسماك اكتر من اللحوم والدجاج. يمكن لم اراه يأكل دجاجا الا فى الاعياد فقط .وكان يحب الجلسة الاسرية فبعد العشاء نتجمع حوله ويحكى لنا حكاوى من زمان او عن احد اصحابه او يلقى لنا شعرا مما كان يكتبة .وكان يحب الجلوس فى حديقة المنزل وكان دائما يلاحظ اذا والدتى زرعت شجرة او وردا جديدا يقول لها هذا النوع جديد وجميل. فكان يحب الزرع والورد جدا .وبعد الظهر كان يحب يتمشى فى الشارع حول البيت فالشارع هادىء عندنا وملئ بالاشجار وكلنا كنا نتمشى معه. وفى احدى المرات سافرت مصر لمدة 8 اسابيع وصمم ان يدبر لى مكانا امكث فيه وبالفعل سكنت فى بيت تابع لاسقفية مارمرقس للخدمات بمدينة نصر .وكان مهتم بى جدا وكل يوم يسألنى مش محتاج حاجة وخرجت وزورت الاهرامات واتفسحت فكنت اشعر انه جدى ويطمئن عليا .ومن طيبة وحب سيدنا لنا فى احدى زيارتنا لمصر فى صيف 1991 وكان عيد ميلادى فى هذا اليوم فعندما زرناه فى دير الانبا بيشوى احضر تورته وعمل لى عيد ميلادى فى الدير وههذا كان من احلى اعياد ميلادى الذى لم انساه ابدا.ومن الاكثر الاشياء المحتفظ بها من سيدنا عندما اجرى عملية فى فخذه كنت كثيرا ما اوصله مشاوير بسيارتى ففى اول مرة يركب معي السيارة اخرج صليبا فضة وعلقة فى السيارة ومن وقتها لن انزعه من السيارة لانه ذكرى من سيدنا .وكثيرا ماسافرت مع سيدنا البرازيل والمكسيك ودول كثيرة اخرى وكنت الشماس الخاص له فى هذه الرحلات وهو الذى رشمنى مساعد الشماس (دياكون)وهى رتبه اقل من الشماس المتفرغ.وفى اخر زيارة له هنا كان مريضا ومتألما جدا ووعندما ذهبنا لوداعه بالمطار بكيت كثيرا لانى كنت اشعر انها اخر زيارة له. ولذلك فكرت فى النزول لمصر قبل وفاته بحوالى ثلاث اسابيع واخر يوم قبل سفرنا سمح لنا بالدخول الى قلايته الخاصه بالمقر البابوى وهذه اول مره يسمح لنا بالدخول الى هذا المكان الخاص جدا وهى حجرة بسيطه جدا وبها سرير فوقه صليب وبها الكثير من الكتب .وقلت له انا خطبت وهاتجوز ياسيدنا فرد بهدوء ممزوج بالفرحة اول ماتعرف هاتتجوز امتى قولى علشان اباركلك .فكنت اتمنى ان يكون موجود فى زواجى ولكنى اشعر انه مازال معى بمحبته وكلامه لى فى اخر زيارة .ويضيف بيشوى قائلا انا محظوظ انى كنت اعرف قداسة البابا عن قرب وتعلمت منه الكثير والكثير .واعتقد اننى مهما عشت لن اقابل شخصية فى طيبة وحنية وذكاء وخفة دم سيدنا فهو تركيبة فريدة ومختلفة وخصوصا عندما تعرفه عن قرب.