مصر وإسرائيل .. تحديات الحرب ومأزق المعبر
كتب: أبوبكر خلاف
اصرار الحكومة الإسرائيلية على اتمام العملية العسكرية في رفح قوبل باستياء مصري بالغ، وهددت مصر بالخروج من دور الوساطة لاعادة المختطفين وتداولت انباء عن خفض التمثيل الدبلوماسي وأعادة النظر في اتفاقية السلام، كما رفضت القاهرة استمرار ادخال المساعدات إلى قطاع غزة طالما تسيطر إسرائيل على الجانب الآخر منه.
وأعرب مسؤولون كبار في الجانب الإسرائيلي عن قلقهم الشديد إزاء تفاقم الأزمة في العلاقات مع مصر، ووفقاً لتقارير من صحيفة “هآرتس”، يخشى المسؤولون الإسرائيليون من أن مصر قد تنسحب من جهود الوساطة بين إسرائيل وحماس، مما يهدد التعاون الأمني والاستخباراتي بين البلدين. واعتبر بعضهم الوضع الحالي مع مصر بالأسوء منذ بدء الحرب على غزة ، حيث أعرب المصريون في البداية عن تفهم لتخوفات إسرائيل الأمنية وسعيها لتفكيك قدرات حركة “حماس” العسكرية، لكن الموقف المصري بدأ يتغير مع اصرار الجانب الاسرائيلي على اجتياح رفح ضاربا بالتحذيرات المصرية عرض الحائط .
استفزاز اسرائيلي
وفي تصعيد آخر هو الأول من نوعه، أعلنت الخارجية المصرية يوم الأحد انضمامها إلى التماس جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية في لاهاي، والتي ستستمع قريباً إلى طلبات إصدار أوامر قضائية مؤقتة إضافية ضد إسرائيل. ربما لايكون لانضمام مصر لدعوى جنوب افريقيا تأثير كبير على العملية القانونية حاليا، لكن وقف تعاونها في دخول المساعدات من معبر رفح طالما استمرت سيطرة اسرائيل عليه وغاب الطرف الفلسطيني سيؤدي إلى مزيد من التدهور الوضع الإنساني في غزة، وهو ما يجبر المحكمة الدولية على اتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد اسرائيل، مقارنة بما حدث في جلسة يناير الماضية.
بيان القبائل المصرية
وفي محاولة من النظام المصري للتعبير عن الرفض الشعبي للسياسات الإسرائيلية مع استمرار العدوان على غزة، جاء دور اتحاد القبائل العربية في سيناء ليقوم بدور البديل عن النظام كورقة أخرى لمصر مع جفاف القنوات الدبلوماسية وتراجع التنسيقات العسكرية والأمنية ليرسل بيانا يطالب مجلس الأمن الدولي بمنع اجتياح مدينة رفح.
بيان اتحاد القبائل عاد بردود أفعال عكسية بالداخل المصري، وتساءل ناشطون عن الدور الذي يقوم به الاتحاد معتبرين أن إصدار مثل هذه البيانات حول قضايا خارجية هي من مسؤولية الدولة المصرية. البيان أصدره المتحدث باسم القبائل مصطفى بكري وحذر من خطورة إقدام الجيش الإسرائيلي على اجتياح رفح، وطالب المجتمع الدولي بممارسة الضغط على إسرائيل للاستجابة للجهود المصرية الرامية إلى تحقيق هدنة بين حماس والحكومة الإسرائيلية بحسب البيان. فيما وردت أنباء ومقاطع مصورة عن قيام اتحاد القبائل والمعروف مصريا باتحاد العرجاني نسبة إلى رئيسه المدعوم من النظام المصري إبراهيم العرجاني، ليقوم بادخال القوافل إلى المعبر والتعامل مع الجانب الإسرائيلي، وكأنها جهود مدنية لاعلاقة لها بالدولة المصرية، وهو من ناحية يخفف وتيرة الضغط في العلاقات مع الجانب الإسرائيلي ويحفظ ماء وجه السلطة في الوقت نفسه والتي لاتريد التراجع عن موقفها المتصلب من احتلال اسرائيل للجانب الآخر من معبر رفح.
تدرج الرد المصري
في السياق ذاته، يمكننا ملاحظة تدرج رد الفعل المصري الرسمي منذ بدء الحرب الإسرائيلية في غزة، حيث بدأ بمتابعة السيسي للأحداث منذ أول يوم من داخل مركز إدارة الأزمات الاستراتيجي بالعاصمة الإدارية الجديدة، ثم إصدار مجلس الأمن القومي المصري بيانا شدد فيه على موقف مصر من رفض التهجير أو محاولات تصفية القضية الفلسطينية على حساب دول الجوار، وأن أمن مصر القومي خط أحمر”. ومع تكرار القصف الإسرائيلي لمعبر رفح 4 مرات، وإصرار اسرائيل في بداية الحرب على رفض إدخال المساعدات الإنسانية بالتزامن مع قطع المياه والكهرباء والوقود عن سكان غزة، ودعوته لهم لإخلاء منازلهم بالأخص في شمال القطاع والنزوح باتجاه مصر، صرح السيسي بأن “رد الفعل الإسرائيلي تجاوز مبدأ حق الدفاع عن النفس إلى العقاب الجماعي”، وانحازت التغطية الإعلامية الحكومية المصرية للمقاومة بشكل غير مسبوق، ثم إعلان الحداد رسميا لمدة 3 أيام على ضحايا المستشفى المعمداني، ورعاية السلطات لمظاهرات شعبية منددة بالعدوان لايصال رسالة رفض شعبية لمجابهة الضغوظ الغربية والأمريكية على مصر بفتح حدودها لاستقبال الفارين من جحيم الحرب في غزة.
تظاهرات برعاية النظام المصري
وشهدت بعض المدن المصرية احتجاجات ضد الهجوم الإسرائيلي على غزة، خاصة في أول يوم جمعة بعد بدء الأحداث، وتحديدًا يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، حيث شهد الجامع الأزهر وقفة احتجاجية، كما شهدت العديد من الجامعات احتجاجات فور حدوث مجزرة المستشفى المعمداني، لكن الاحتجاجات شهدت قفزة كبيرة بعد أن لوح السيسي يوم 18 أكتوبر/تشرين الأول -في أثناء عقده مؤتمرا صحفيا بالقاهرة رفقة المستشار الألماني أولاف شولتز- بنزول ملايين المصريين للشوارع في حال دعوته لهم للتظاهر احتجاجا على مخطط تهجير أهل غزة إلى سيناء.
وسرعان ما نظمت الأحزاب الموالية للسلطة وقفات احتجاجية في أغلب الميادين الرئيسية بالمدن المصرية، كما غضت وزارة الداخلية الطرف عن احتجاجات أخرى دخلت إحداها ميدان التحرير أيقونة ثورة يناير، واكتفت بتفريق التظاهرات واعتقال نحو 140 متظاهرا ممن لم يلتزموا بالتعليمات الحكومية سواء من جهة مدة التظاهر أو الشعارات التي رفعوها، إذ أشار بعضهم إلى أن الهدف من التظاهر هو التضامن مع فلسطين، وليس تفويض أي مسؤول بشيء، وهو ما يمثل خروجا عن السيناريو المرسوم للاحتجاج.
ومع مرور عدة أشهر على الحرب استمرت التظاهرات على سلالم نقابة الصحفيين المصرية كمكان ثابت، يمكن من خالله ارسال الرسائل للطرف الآخر بأن هناك غضب شعبي لابد من أن يؤخذ في الحسبان، وأن الضغط على السيسي باعتباره صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في مصر، سيكون سببا في سقوط نظامه، وهو مايعد خسارة للجميع ، وتشير هذه التطورات كافة إلى رغبة السلطات في استدعاء الشارع لمواجهة الضغوط الأميركية، بالإضافة إلى توفير مسارات آمنة للتعبير عن الغضب الشعبي.
مع تصاعد القتال، قررت السلطات الإسرائيلية إغلاق حقل غاز تمار الذي يمد مصر بالغاز، كما أصدرت شركة شيفرون تعليمات بوقف تشغيل خط أنابيب غاز شرق المتوسط بين إسرائيل ومصر، واستخدام خط أنابيب الغاز العربي الذي يمر عبر الأردن بدلا منه، وهو ما أثر على كمية الغاز الإسرائيلي الواردة إلى مصر، إذ انخفضت بنسبة 20%، وهو ما يؤثر سلبا على القاهرة التي عانت مؤخرا أزمة في توفير الغاز والمازوت لمحطات الكهرباء، فضلا عن حاجتها للإيرادات بالعملة الأجنبية التي تحصل عليها من إسالة وتصدير الغاز.
مع اشتعال القتال، قتل شرطي مصري سائحين إسرائيليين في مدينة الإسكندرية -في 8 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، إثر إصرارهم على رفع العلم الإسرائيلي- مما دفع تل أبيب لحث رعاياها على مغادرة مصر على وجه السرعة، ثم جاء حادث إطلاق دبابة إسرائيلية قذيفة تجاه برج لقوات حرس الحدود المصرية، مما أسفر عن إصابة 9 عسكريين مصريين، توفي أحدهم لاحقا متأثرا بإصابته، مما أضاف مزيدا من التوتر للعلاقات بين الجانبين.
رفح عبر التاريخ
تعتبر مدينة رفح من المدن التاريخية القديمة فقد تم تأسيسها قبل 5 آلاف عام، وغزاها الفراعنة والأشوريون والإغريق والرومان. وعرفت المدينة بأسماء عدة، فسماها الفراعنة روبيهوي، وأطلق عليها الآشوريون رفيحو، وأطلق عليها الرومان واليونان اسم رافيا، حتى سماها العرب رفح.
وخضعت المدينة عام 1917 للحكم البريطاني الذي فرض الانتداب على فلسطين، وفي 1948 دخل الجيش المصري رفح وتحولت السيطرة عليها إلى مصر، حتى وقعت في أيدي إسرائيل عام 1956 ثم عادت للإدارة المصرية عام 1957 حتى عام 1967 حيث احتلتها إسرائيل.
وزاد من أهمية المدينة عبر التاريخ مرور خط السكك الحديدية الواصل بين القاهرة وحيفا في أراضيها، إلى أن تم تدميره بعد حرب عام 1967. وقُسمت بعدها المدينة إلى شطرين تفصلهما الأسلاك الحدودية الشائكة أحدهما بمصر والآخر في غزة ، بعد اتفاقية كامب ديفيد، حيث استعادت مصر سيناء، وبلغت مساحة الشطر الواقع في غزة ثلاثة أضعاف مساحة الشطر المصري تقريباً. وتقع رفح الفلسطينية جنوب قطاع غزة، وتعتبر أكبر مدن القطاع على حدود مصر، حيث تبلغ مساحتها 55 كيلومترا مربعا، وتبعد عن القدس حوالي 107 كم إلى الجنوب الغربي. وتعود أصول سكان رفح إلى مدينة خان يونس، وإلى بدو صحراء النقب، وبدو سيناء، ثم أضيف إليهم الفلسطينيون الذين قدموا إليها نازحين بعد “النكبة” عام 1948.