مقالات

عالم السياسة في الشرق الأوسط بعد طوفان الأقصى

نحو مراجعات فكرية وسياسية شاملة

شبكة مراسلين
مقال بقلم: محمد سعد الأزهري

أحداث “طوفان الأقصى” التي شهدتها الساحة الفلسطينية مؤخرًا أعادت تشكيل الخريطة السياسية والفكرية في الشرق الأوسط، بوجه خاص وأعادت تشكيل الخريطة السياسية العالمية بوجه عام، بل وأحدثت زلزالا عنيفا عصف بكل قصص وحكايات واساطير دولة الكيان المغتصبة والجيش المغتصب الذي لم تظهر قوته وأسلحته وتفوقه العسكري والاستخباراتي والسيبراني والتقني والتكنولوجي إلا على العزل والمباني الصماء والأسرى، لكن عند المواجهات العسكرية الحقيقية على الأرض انكشفت العورات وبانت السوءات وظهرت العيوب وخارت القوى وانهارت القيادات وتلاشت الأساطير والقصص والحكايات. لقد فرض الطوفان الهادر أسئلة مصيرية حول مستقبل القضية الفلسطينية وطبيعة العلاقات السياسية في المنطقة.

هذه الأحداث لم تكن مجرد مواجهة عسكرية، بل كانت صدمة فكرية وسياسية دفعت الشعوب والأنظمة والحركات إلى إعادة النظر في قناعاتها ومساراتها. فما الذي يجب أن يكون عليه عالم السياسة في الشرق الأوسط بعد هذه التحولات الجذرية؟

تغيير قناعات الشعوب في أبجديات القضية الفلسطينية

لطالما كانت القضية الفلسطينية قضية مركزية في الوجدان العربي والإسلامي، لكن “طوفان الأقصى” أعاد تعريف أبجديات هذه القضية. لم يعد الصراع مجرد صراع على الأرض، بل تحول إلى صراع وجودي يتعلق بحق الحياة والكرامة الإنسانية. الشعوب العربية والإسلامية بدأت تدرك أن القضية الفلسطينية ليست مجرد قضية سياسية، بل هي قضية إنسانية تتعلق بالعدل والحرية والمساواة أمام باقي الأمم الأوروبية وإلم تسمع أروقة المحاكم الدولية صراخ الأطفال وأنات النساء وتنهيدات الرجال وبكاء الأمهات وعويل الأبناء فقد قام الطوفان الهادر بأبلاغ الرسالة كاملة واضحة صريحة فصيحة مسموعة ومشاهدة بأروع آيات الفداء والنضال والجهاد والتضحية بكل غالي وثمين حتى تخطى الصوت وبلغ النداء لا أعضاء المحكمة الدولية في لاهاي يل لقد اسمعت الدنيا كلها الصغير كالكبير العربي والأوروبي والإفريقي والأمريكي والهندي والأسيوي ، لقد أسمعت المقاومة الدنيا بأسرها وأوصلت الصوت إلى آفاق الدنيا في جوانبها الأربعة وقاراتها السبع وأجناسها وشعوبها ولغاتها قاطبة.

هذا التحول في القناعات يتطلب من النخب السياسية والفكرية تبني خطاب جديد يعيد تعريف القضية بعيدًا عن الشعارات الرنانة، ويركز على الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني.

حق الحياة وحق تقرير المصير للفلسطينيين

حق الحياة هو أبسط الحقوق الإنسانية، لكنه كان غائبًا عن المعادلة السياسية في القضية الفلسطينية لفترة طويلة. اليوم، أصبح من الواضح أن أي حل سياسي يجب أن يبدأ بضمان حق الفلسطينيين في الحياة الآمنة والكريمة، وحقهم في تقرير مصيرهم دون وصاية خارجية. هذا يتطلب ضغطًا دوليًا وإقليميًا لإنهاء الاحتلال وتمكين الفلسطينيين من بناء دولة مستقلة ذات سيادة.

وإذا لم يجد الفلسطينيين من يدعم موقفهم سياسيا من السياسيين والدول والحكام فإنهم عرفوا طريق المطالبة بحقوقهم وطريقة الإعلان عن رغباتهم السياسية واستحقاقاتهم الحياتية.

واجب الوقت عند الفكر السياسي الإسلامي والحركات الإسلامية

الحركات الإسلامية السياسية تواجه اليوم تحديًا كبيرًا في كيفية التعامل مع الأنظمة الحاكمة. بعد “طوفان الأقصى”، أصبح من الواضح أن هذه الحركات بحاجة إلى مراجعة فكرية وسياسية عميقة. يجب أن تتحول من خطاب المواجهة إلى خطاب المشاركة البناءة، وأن تتبنى منهجًا سياسيًا يركز على المصالح العليا للشعوب بدلًا من الصراعات الأيديولوجية. العلاقة بين الحركات الإسلامية والأنظمة الحاكمة يجب أن تكون قائمة على الحوار والتعاون لتحقيق الاستقرار والتنمية.

وسنجد في كافة الحركات السياسية والدينية والمعارضة الحقيقية أو الاصطناعية جبهات واختلافات بين الحمائم والصقور والمحافظين و الديمقراطيين بين الحراس والمتحولين بين سدنة الفكرة والمنهج وبين المطورين والمتساهلين والمتعاونين بين الجامدين والمتحررين حتى تحولت ساحات المعارك الطاحنة من بين الأنظمة الحاكمة والمعارضة والحركات السياسية والدينية إلى ساحات داخلية داخل الحركة الواحدة وتحولت الخصومة إلى فرقة وخصومات بين أبناء الحركة الواحدة والحزب الواحد والمعارضة الصلبة فنجت الحكومات وسلمت النظم السياسية القائمة من الخصومة والمتافسة والعداوات السياسية الاعتيادية وتلبست بالمعارضة فأشغلتها وأهلكتها وأضعفتها وأنهكتها وأوشكت على القضاء عليها كليا حتى أن المراقب العادي لا يجد لأي معارضة أو حراك سياسي صوتا ولا همسا ولا تملك لحركتها أو حزبها أو جماعتها نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشروا وأصبحت والعدم سواء بل وصلت قناعاتي أن العدم أفضل بكثير من وجود هذه الأشلاء والأشباه والهياكل المتآكلة المتهالكة المدمرة المخربة .

وجوب المراجعات الفكرية والسياسية عند الجماعات الدينية

الجماعات والحركات السياسية ذات المرجعية الدينية بحاجة إلى مراجعات فكرية وسياسية جذرية. لم يعد مقبولًا أن تظل هذه الجماعات أسيرة خطاب التطرف والمواجهة. يجب أن تتحول إلى قوى سياسية فاعلة تساهم في بناء الدولة والمجتمع، وأن تتبنى خطابًا معتدلًا يركز على قيم العدل والحرية وحقوق الإنسان.

ولنا في التاريخ درسا وعبرة وإلا فما فائدة العقل والنظر والتدبر إذا استمر القائمون على إدارة الحركات الدينية والسياسية والأحزاب والمعارضة الذين يحتمون بنظم ودول ومؤسسات ويتترسون خلف جنسيات وكيانات ودول قريبة أو بعيدة وتعايشت مع الاغتراب وبنت حياتها وحياة عوائلها وذويها على الحياة بعيدا عن الوطن الأم فهي تستطيع التأقلم والتماهي والتعايش مع الظروف والأوضاع تحت مزاعم وقناعات ومعتقدات رغم أنها تتخلى عن عناصرها وأعضائها دون حرج أو ندم أو شعور بالذنب أو أن يصيبهم شيئا من حمرة الخجل .

ولذلك يجب أن يتولى قيادة هذه الأحزاب المعارضة والجماعات والحركات جيل جديد يعي طبيعة الوقت وطبيعة المرحلة وكيف تقرأ الأحداث وكيف تتعامل الأنظمة السياسية مع المعارضة في إطار المسموح والمتاح.

ولا يسمح لقيادات تاريخية لا تبالي بالمآلات ولا بالممكنات ولا بالمستحيلات السياسية لأنها وللأسف مازالت تعيش الماضي ولم تفق من ماضيها ولم تعيش حاضرها ولا تفكر في مستقبل أمتها إنهم يلبسون مسوح الزهاد ويتمسكون بمناصبهم تمسك الطفل بأمه أو الغريق بحبل النجاة وشتان بين الحالتين وبين شاسع بين المآلين.

ما يجب على المعارضة السياسية في الدول العربية

المعارضة السياسية في الدول العربية، سواء كانت داخلية أو خارجية، تواجه تحديًا كبيرًا في كيفية التعامل مع التطورات الجديدة. يجب أن تتحول من خطاب التدمير والصراع إلى خطاب البناء والإصلاح. المعارضة الحقيقية هي التي تعمل من أجل الوطن والمواطنين، وليس من أجل مصالح ضيقة أو أجندات خارجية. يجب أن تتبنى منهجًا حضاريًا يركز على الحفاظ على كيان الدولة ودعم مصالحها العليا.

زيادة وعي الجيل العربي الجديد

الجيل العربي الجديد يشهد تحولًا كبيرًا في مستوى الوعي، خاصة بعد “طوفان الأقصى”. هذا الجيل لم يعد يقبل بالخطابات التقليدية والشعارات الجوفاء. إنه جيل يبحث عن العدل والحرية والكرامة، ويريد أن يرى تغييرًا حقيقيًا على الأرض. هذا يتطلب من النخب السياسية والفكرية تبني خطاب جديد يعكس تطلعات هذا الجيل، ويعمل على تعزيز الوعي الإنساني والحضاري.

انتهاج المنهج الحضاري في الممارسة السياسية

أخيرًا، يجب على جميع الأطراف السياسية في الشرق الأوسط أن تتبنى منهجًا حضاريًا في الممارسة السياسية. هذا يعني التخلي عن المنافسات الصفرية والمعارك العقيمة، والتركيز على بناء الدولة والمجتمع. السياسة يجب أن تكون أداة لتحقيق المصالح العليا للبلاد، وليس وسيلة للصراع والتدمير.

في النهاية، عالم السياسة في الشرق الأوسط بعد “طوفان الأقصى” يجب أن يكون عالمًا يعيد تعريف الأولويات، ويركز على العدل والحرية وحقوق الإنسان. هذا هو الطريق الوحيد لتحقيق الاستقرار والتنمية في المنطقة.

عبر التاريخ، شهدت العديد من الحركات السياسية تحولات جذرية من الصراعات العقيمة والمعارك الصفرية إلى التعاون في بناء الأمة والوطن. هذه التحولات كانت نتيجة لمراجعات فكرية وسياسية عميقة، وإدراك أن المصالح العليا للشعوب تتطلب التضامن والتعاون بدلًا من الصراع. فيما يلي بعض النماذج التاريخية البارزة:

1 – المصالحة الوطنية في جنوب إفريقيا (1994)

بعد عقود من نظام الفصل العنصري (الأبارتايد)، كانت جنوب إفريقيا على حافة حرب أهلية بسبب الصراعات العرقية والسياسية.

   التحول

تحت قيادة نيلسون مانديلا وحزب المؤتمر الوطني الأفريقي (ANC)، تم التخلي عن الصراع المسلح والانتقام، وتم تبني سياسة المصالحة الوطنية. تم تشكيل “لجنة الحقيقة والمصالحة” لمعالجة جرائم الماضي دون إثارة الكراهية.

   -النتيجة:

تحولت جنوب إفريقيا إلى دولة ديمقراطية متعددة الأعراق، وأصبحت نموذجًا للتعايش السلمي بعد الصراع.

بل وأصبحت من أقوى الإقتصاديات.

2 – الانتقال الديمقراطي في إسبانيا بعد فرانكو (1975)

   – خلفية:

بعد وفاة الديكتاتور فرانسيسكو فرانكو، كانت إسبانيا تعاني من انقسامات عميقة بين اليمين واليسار بسبب الحرب الأهلية الإسبانية (1936-1939)

   – التحول:

 قامت النخب السياسية من جميع الأطياف بتوقيع “ميثاق مونكلوا” (1977)، الذي تضمن تنازلات متبادلة لضمان الانتقال السلمي إلى الديمقراطية.

   – النتيجة:

نجحت إسبانيا في بناء نظام ديمقراطي مستقر، وأصبحت مثالًا على كيفية تجاوز الخصومات التاريخية لصالح الوحدة الوطنية.

3 –  الوحدة الألمانية (1990)

   – الخلفية:

بعد سقوط جدار برلين (1989)، كانت ألمانيا مقسمة إلى شرقية (شيوعية) وغربية (ديمقراطية) منذ نهاية الحرب العالمية الثانية
   – التحول:

تخلت القيادات السياسية في الشرق والغرب عن الخصومات الأيديولوجية، واتجهت نحو تحقيق الوحدة الألمانية تحت مظلة الديمقراطية والاقتصاد الحر.

   – النتيجة:

تم توحيد ألمانيا في 3 أكتوبر 1990، وأصبحت واحدة من أقوى الاقتصادات في العالم.

4 – المصالحة في رواندا بعد الإبادة الجماعية (1994)

   – الخلفية:

بعد الإبادة الجماعية التي راح ضحيتها نحو 800 ألف شخص، كانت رواندا تعاني من انقسامات عرقية وسياسية عميقة بين الهوتو والتوتسي.

   – التحول:

تبنت الحكومة برئاسة بول كاغامي سياسات المصالحة الوطنية، بما في ذلك محاكم “الجاكاجا” التقليدية لمعالجة جرائم الإبادة دون إثارة الكراهية.

   – النتيجة:

تحولت رواندا إلى نموذج للتعافي بعد الصراع، وأصبحت واحدة من أكثر الدول استقرارًا في إفريقيا.

 5 –  التحول الديمقراطي في تشيلي (1990)

   – الخلفية:

 بعد حكم أوغستو بينوشيه الديكتاتوري (1973-1990)، كانت تشيلي تعاني من انقسامات سياسية واجتماعية عميقة.

   – التحول:

قامت القوى السياسية بتوقيع اتفاقيات لضمان الانتقال السلمي إلى الديمقراطية، وتجنب الانتقام من النظام السابق.

   – النتيجة:

نجحت تشيلي في بناء نظام ديمقراطي مستقر، وأصبحت واحدة من أكثر الدول ازدهارًا في أمريكا اللاتينية.

 6 –  الوحدة الإيطالية (القرن التاسع عشر)

   – الخلفية:

كانت إيطاليا مقسمة إلى عدة دويلات وممالك متناحرة قبل القرن التاسع عشر.

   – التحول:

 قامت حركة “الريصورجيمنتو” بقيادة شخصيات مثل جوزيبي غاريبالدي وكاميلو كافور بتوحيد إيطاليا تحت مظلة واحدة، متخلية عن الخصومات المحلية.

   – النتيجة:

تم تحقيق الوحدة الإيطالية في 1861، وأصبحت إيطاليا دولة موحدة وقوية.

  7 – التحالف الوطني في الهند بعد الاستقلال (1947)

   – الخلفية:

بعد الاستقلال عن بريطانيا، كانت الهند تعاني من انقسامات طائفية بين الهندوس والمسلمين، أدت إلى تقسيم الهند وباكستان.

   – التحول:

قامت القيادات الهندية، بقيادة جواهر لال نهرو، بتبني سياسات علمانية تعزز الوحدة الوطنية وتقلل من حدة الخلافات الدينية.

   – النتيجة:

نجحت الهند في بناء نجحت الهند في بناء دولة ديمقراطية متعددة الأديان والثقافات.

 8 – المصالحة في كولومبيا (2016)

   – الخلفية:

بعد عقود من الحرب الأهلية بين الحكومة الكولومبية وحركة “فارك” المتمردة، كانت البلاد تعاني من دمار اقتصادي واجتماعي.

   – التحول: تم توقيع اتفاقية سلام بين الحكومة وحركة “فارك” في 2016، تضمنت تنازلات من الطرفين لإنهاء الصراع.

   – النتيجة:

بدأت كولومبيا في مسيرة التعافي والتنمية بعد سنوات من العنف.

 9 – الوحدة اليمنية (1990)

   – الخلفية:

كانت اليمن مقسمة إلى شمالي (جمهوري) وجنوبي (اشتراكي) بعد الاستعمار البريطاني.

   – التحول:

تخلت القيادات في الشمال والجنوب عن الخلافات الأيديولوجية، واتفقت على توحيد اليمن في دولة واحدة.

   – النتيجة:

 تم تحقيق الوحدة اليمنية في 1990، على الرغم من التحديات اللاحقة.

  10 – التحالف الوطني في ماليزيا (1957)

   – الخلفية:

كانت ماليزيا تعاني من انقسامات عرقية بين الملايو والصينيين والهنود.

   – التحول:

قامت القيادات السياسية بتشكيل تحالف وطني يضم جميع الأعراق، وتخلت عن الخلافات لصالح بناء الدولة.

   – النتيجة:

 أصبحت ماليزيا واحدة من أكثر الدول استقرارًا وازدهارًا في جنوب شرق آسيا.

هذه النماذج التاريخية تثبت أن التخلي عن الصراعات العقيمة والتحول نحو التعاون والوحدة الوطنية هو طريق النجاح والاستقرار. هذه الدروس يمكن أن تكون مصدر إلهام للشرق الأوسط في مرحلة ما بعد “طوفان الأقصى

خاص - مراسلين

شبكة مراسلين هي منصة إخبارية تهتم بالشأن الدولي والعربي وتنشر أخبار السياسة والرياضة والاقتصاد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews