تحول الاستراتيجية الأمريكية وأزمة الأمن الأوروبي في ظل التطورات الأوكرانية الأخيرة

بقلم: وليد شهاب قصاص
في ظل التصعيد المستمر للأزمة الأوكرانية، تظهر التطورات الأخيرة خلال الشهر الماضي تحولات جذرية في السياسات الدولية، خاصة فيما يتعلق بمواقف الولايات المتحدة وأوروبا تجاه الصراع. مع تكثيف الرئيس الأميركي دونالد ترمب جهوده لإيجاد تسوية سلمية، يجد القادة الأوروبيون أنفسهم أمام ضرورة إعادة تقييم تداعيات أي اتفاق محتمل على أمنهم المستقبلي. هذه التطورات تضع أوروبا في موقف استراتيجي صعب، حيث يتعين عليها موازنة بين الاعتماد التقليدي على الحماية الأميركية والسعي نحو تعزيز أمنها المستقل.
التحول الاستراتيجي الأمريكي
أكدت إدارة الرئيس ترمب خلال الأسابيع الماضية أن أولويات الأمن القومي الأميركي لم تعد تشمل أوروبا كأحد محاورها الرئيسية. جاء ذلك على لسان بيت هيغسيث، وزير الدفاع الأميركي الجديد، خلال اجتماع حلف شمال الأطلسي (الناتو) في بروكسل، حيث أشار إلى أن التهديدات الداخلية، مثل الهجرة غير الشرعية والمنافسة مع الصين، تحتل الآن صدارة الاهتمامات الأميركية.
التطورات الأخيرة
- في أواخر الشهر الماضي، أعلنت إدارة ترمب عن تعليق جزء من المساعدات العسكرية لأوكرانيا، في خطوة تفسر على أنها محاولة للضغط على كييف لقبول وقف إطلاق النار.
- تصريحات هيغسيث أكدت أن الولايات المتحدة لن تتحمل العبء الأكبر في حماية أوروبا، مما دفع القادة الأوروبيين إلى تسريع خططهم لتعزيز القدرات الدفاعية للقارة.
هذا التحول يعكس استمرارًا لسياسة بدأت في عهد أوباما وترمب، والتي تهدف إلى تقليل الالتزامات الأميركية في أوروبا ودفع الحلفاء لتحمل المزيد من المسؤوليات. ومع ذلك، فإن سرعة وتيرة هذا التحول تثير مخاوف أوروبية من أن تكون القارة غير مستعدة لمواجهة التهديدات الروسية بمفردها.
التحركات الأوروبية
ردًا على التطورات الأخيرة، بدأت أوروبا في اتخاذ خطوات جادة نحو تعزيز أمنها المستقل. خلال قمة طارئة عقدت في بروكسل، اتفق قادة الاتحاد الأوروبي على تخصيص مئات المليارات من اليوروهات لتعزيز القدرات الدفاعية للقارة.
- أعلنت أورسولا فون ديرلاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، عن خطة طموحة لإنشاء قوة رد سريع أوروبية، تتألف من 5000 جندي، كجزء من استراتيجية الأمن والدفاع الأوروبية.
- اقترح كير ستارمر، رئيس الوزراء البريطاني، تشكيل “تحالف الراغبين”، وهي قوة حفظ سلام متعددة الجنسيات تهدف إلى ضمان أمن أوكرانيا في حال التوصل إلى اتفاق سلام مع روسيا.
- هذه التحركات تعكس إدراكًا أوروبيًا متزايدًا بضرورة تقليل الاعتماد على الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن التحديات لا تزال كبيرة، خاصة في ظل نقص التنسيق بين الدول الأوروبية وعدم وجود بنية تحتية عسكرية مشتركة قوية.
التحديات الأمنية
تصاعدت المخاوف الأوروبية من أن يؤدي النهج الأحادي لإدارة ترمب إلى اتفاق سلام مع روسيا لا يراعي المصالح الأوروبية. هذه المخاوف تعززت بعد تصريحات مسؤولي الإدارة الأميركية التي تشير إلى استعداد واشنطن لتقديم تنازلات لروسيا في سبيل إنهاء الصراع.
التطورات الأخيرة
- في منتصف الشهر الماضي، أبدى ترمب استعداده للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دون مشاركة أوروبية، مما أثار استياء القادة الأوروبيين.
- تصريحات سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، أكدت أن موسكو ستعتبر أي قوات أوروبية في أوكرانيا تهديدًا مباشرًا لأمنها.
هذه التطورات تضع أوروبا في موقف صعب، حيث يتعين عليها الموازنة بين دعم أوكرانيا وتجنب التصعيد مع روسيا. أي اتفاق سلام غير متوازن قد يؤدي إلى تفاقم التوترات الأوروبية-الروسية، مما يزيد من تعقيد المشهد الجيوسياسي.
أوروبا بين الاعتماد على الذات والمخاطر الجيوسياسية
مع استمرار التطورات السريعة في الأزمة الأوكرانية، تبدو أوروبا عازمة على تحمل مسؤولية أكبر في مجال الدفاع. ومع ذلك، فإن نجاح هذه الجهود يعتمد على عدة عوامل، بما في ذلك زيادة التنسيق بين الدول الأوروبية وتعزيز القدرات العسكرية والاستخباراتية.
التطورات الأخيرة في الأزمة الأوكرانية تعكس تحولات جذرية في السياسات الدولية، مع تركيز خاص على تحول الاستراتيجية الأميركية وزيادة الاعتماد الأوروبي على الذات. في حين أن أوروبا تبدو عازمة على تحمل مسؤولية أكبر في مجال الدفاع، فإن العقبات التي تواجهها لا تزال كبيرة، مما يجعل المستقبل الأمني للقارة غير مؤكد إلى حد كبير