
شبكة مراسلين
تحل هذه الأيام الذكرى السنوية لميلاد أمير شعراء الرفض، أمل دنقل، الذي ولد في 23 يونيو عام 1940 في محافظة قنا. وقد أطلق عليه اسم “أمل” تيمنًا بالنجاح الذي حققه والده في نفس العام عندما حصل على إجازة عالمية من الأزهر الشريف.
بدأ أمل دنقل دراسته في كلية الآداب بالقاهرة بعد انتهاء دراسته الثانوية في قنا، ولكنه قرر التوقف بعد عام واحد ليعمل. عمل كموظف في محكمة قنا وجمارك السويس والإسكندرية، ثم انضم إلى منظمة التضامن الأفروآسيوي. ومع ذلك، كانت للشعر مكانة خاصة في قلبه، وكان يترك العمل مرارًا وتكرارًا ليكرس وقته لكتابة الشعر. وقد تأثر بشدة بتجربته في القاهرة وصدمته الناجمة عنها، وهو ما تجلى في قصائده الأولى.
استوحى أمل دنقل قصائده من رموز التراث العربي، على عكس الاتجاه الشعري السائد في الخمسينيات الذي اتسم بالتأثر بالميثولوجيا الغربية، وخاصة الميثولوجيا اليونانية. وقد تأثر دنقل بشكل كبير بعصر أحلام العروبة والثورة المصرية، وأيضًا بنتائج حرب 1967، التي عبر عنها في ديوانه الأول “البكاء بين يدي زرقاء اليمامة” وديوانه “تعليق على ما حدق”. وكان من الرافضين لمعاهدة السلام، وقد ألهمه هذا الرفض قصيدته الشهيرة “لا تصالح”، التي عبرت عن مشاعر المصريين بشكل عام. ويمكن رؤية تأثير المعاهدة وأحداث يناير 1977 في مجموعته الشعرية “العهد الآتي”.
كان لدى الشاعر أمل دنقل مواقف عديدة، وكان يعتبر الشعر هدفًا ومأوى ومصيرًا. وفي هذا الصدد، قال أمل دنقل إن ما جمعه بالشاعر الراحل عبد الرحمن الأبنودي هو الإخلاص للشعر، حيث لم يقم أي منهما بأي عمل آخر. وقال: “جمعنا الإخلاص للشعر، فلم يكتب أي منا شيئًا آخر، لم نحاول كتابة قصة أو رواية أو العمل في الصحافة. ما أريد قوله أنا كلاً منا كان راسخًا في وجدانه منذ بداياته في أن يصير شاعرًا”.
وتصف زوجته عبلة الرويني أمل دنقل بأنه كان واضحًا في مواقفه، فهو لا يعترف إلا بالأبيض والأسود، ولا يعرف الرمادي.
لا تصالح
يبقى دنقل عازف الكمان في جوقة الشعراء الكبار، وصاحب البيان الشعري الشهير “لا تصالح”، تلك القصيدة التي ارتقت بكلمة “لا” إلى خانة الشعرية العالية، ليتغنى بها أبناء الوطن العربي حالما تفجرت ثورات، وليطوف الثوار حول “الكعكة الحجرية”، قلب ميدان التحرير بالقاهرة مترنمين بقصيدته “سفر الخروج”، التي تترجم تلك الكلمة السحرية بفاعلية، متحدية آلة الدمار، من نار وحديد وبارود وكلاب بوليسية ومدرعات تدهس من يقولها:
لا تصالحْ!
ولو منحوك الذهبْ
أترى حين أفقأ عينيكَ
ثم أثبت جوهرتين مكانهما..
هل ترى..؟
هي أشياء لا تشترى..
ويواصل أمل زرع مبرراته كي يكون الإنسان شجاعا ولا يهاب شيئا من أجل الحرية:
لا تصالح.. ولو توّجوك بتاج الإمارة
كيف تخطو على جثة ابن أبيك
وكيف تصير المليك.. على أوجه البهجة المستعارة
كيف تنظر في يدي من صافحوك، فلا تبصر الدم في كل كف..
لا تصالح.. فليس سوى أن تريد
أنت فارس هذا الزمان الوحيد
وسواك المسوخ!
لا تصالح