مقالات

طوفان الأقصى: الحرب الإعلامية والنفسية التي حوّلت الغموض إلى سلاح

أبو عبيدة والسنوار يوجهان ضرباتٍ بـ"رسائل ١١١١" وعبقرية تسليم الأسرى‏

مقال بقلم: محمد سعد الأزهري

الغموض سلاحٌ لا يُقهر
في عالمٍ تتحكم فيه الصورةُ والرسالة، تبرز المقاومةُ الفلسطينيةُ كفاعلٍ استثنائي، حوَّل الغموضَ إلى سيفٍ مُصلَتٍ في وجه آلة الحرب الإسرائيلية. ليست المعركة هنا بالدبابات والطائرات فحسب، بل بخطابٍ ملثمٍ يهزُّ العرش، ورقمٍ غامضٍ (١١١١) يُشعل الشوارعَ ويُربك الحكومات. إنها حربُ العقولِ والقلوب، حيث تُسقط “توابيتُ الاتهام” أخلاقيةَ المحتل، وتُعلِّمُ العالمَ دروساً في الإبداع المُقاوم.

الرجل الملثم والرسائل المشفَّرة: هندسة الغموض

لا يحتاج أبو عبيدة، القائد الملثم لكتائب القسام، إلى كشف وجهه ليُسمع صوته. خطاباتُه المُنتظرة عالمياً باتت حدثاً إعلامياً ينتظره الملايين، ليس لفكِّ شفرته فحسب، بل لقراءةِ ما بين السطور: رسائلُ قوةٍ ترفضُ الخنوع، وإرادةٌ تُحوِّلُ الغموضَ إلى سلاحٍ نفسي.  أما الرقم “١١١١”، الذي أطلقَهُ القياديُّ في حماس يحيى السنوار، فلم يكن مجردَ رمزٍ عشوائي، بل مفتاحاً لمعادلةٍ مُحكمة: أربعةُ أرقامٍ حوَّلت الشارعَ الإسرائيلي إلى ساحةِ شكٍ وتمرد، وأثبتت أن الحربَ الإعلاميةَ قد تُنهي حروباً عمرُها عقود.

تسليم الأسرى وتوابيت الاتهام”: الإنسانية سلاحٌ أعظم

لم تكن عبقريةُ تسليمِ الأسرى الإسرائيليين عبر الصليب الأحمر مجردَ خطوةٍ تكتيكية، بل ضربةٌ إستراتيجيةٌ قلبَت الطاولةَ على الروايةِ الصهيونية. لقد حوَّلتِ المقاومةُ الأسرى إلى “سفراء إجباريين” يكشفون وحشيةَ الاحتلال، بينما حوَّلت جثثَ الجنودِ إلى “توابيت اتهام” تُدينُ إسرائيلَ أمام العالم. 

هنا، تتحول الإنسانيةُ إلى سلاحٍ لا يُرد: ففي لحظةِ تسليمِ الأسرى، لم تكن القوةُ العسكريةُ وحدها هي المنتصرة، بل الأخلاقُ التي أرغمتْ حتى الخصومَ على الاعترافِ ببراعة الخصم!

إرباكُ نتنياهو: عندما يتحول الشارعُ إلى جبهة

لم تُخطئ المقاومةُ حين استهدفتْ شرعيةَ حكومةِ نتنياهو من الداخل. فبعد كلِّ رسالةٍ غامضةٍ أو عمليةٍ نوعية، تتحولُ تل أبيبُ إلى برميلِ بارودٍ من الاحتجاجات. الشعاراتُ التي تهتفُ “كفى حروباً!” ليست ردَّ فعلٍ عفويًّا، بل ثمرةَ خططٍ مُحكمةٍ تزرعُ الشكَّ في قدرةِ الدولةِ على حمايةِ مواطنيها.  السؤالُ الذي تُلقي به المقاومةُ في وجه الكنيست: “هل تستحقُّ حكومةٌ فاشلةٌ في حسمِ الحربِ أن تحكم؟”

من “حرب العتمة” إلى “إعلام الضوء”: دروسٌ للتاريخ

ليست هذه المرةَ الأولى التي تُعيدُ فيها المقاومةُ كتابةَ قواعدِ اللعبة. فمن حربِ الأنفاقِ إلى حربِ الرسائلِ المشفرة، يُثبتُ الفلسطينيون أن الإبداعَ هو رفيقُ المُستضعفين. إنهم لا يُقاتلون بالسلاحِ وحده، بل بالذاكرةِ الجمعيةِ التي تُذكِّرُ العالمَ بأن الحقَّ الفلسطينيَّ لن يموت.  “طوفانُ الأقصى” ليس مجردَ معركة، بل مدرسةٌ تُعلِّمُ كلَّ حرٍّ في العالم كيف يُحوِّلُ الضعفَ إلى قوةٍ، والغموضَ إلى بصيرةٍ، والدمَ إلى أمل

الخاتمة: المعركة الكبرى.. معركة الرواية

في النهاية، تُدركُ المقاومةُ أن انتصارَها الحقيقيَّ ليس في تسجيلِ نقاطٍ عسكريةٍ فحسب، بل في كسرِ أسطورةِ الجيشِ الذي لا يُهزم، وإثباتِ أن شعباً يُمسكُ بقلمِ الحقِّ وعدسةِ الكاميرا قادرٌ على هزيمةِ أعتى الجبابرة. 

رسالةُ “طوفان الأقصى” إلى كلِّ أصحابِ الحقِّ في الحريةِ والعدالة: الغموضُ قد يُخيفُ الأعداء، لكنَّ الحقيقةَ المُسلَّحةَ بالإرادةِ ستنتصرُ دائماً.

التوقيع:

كُتِبَ بقلمِ كلِّ مَنْ يؤمنُ أن المقاومةَ فنٌّ.. فنُّ تحويلِ اليأسِ إلى مقاومةٍ، والغموضِ إلى نورٍ.

خاص - مراسلين

شبكة مراسلين هي منصة إخبارية تهتم بالشأن الدولي والعربي وتنشر أخبار السياسة والرياضة والاقتصاد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews