عيد الأمة الإسلامية.. يوم التئام الجراح وانبعاث الأمل

مقال بقلم: محمد سعد الأزهري
في عالمٍ تتصارع فيه الهويات وتتشظى الروابط، تظل الأمة الإسلامية كالجسد الواحد، إن اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. ليست الأمة مجرد خريطة جغرافية أو نسيج بشري متنوع، بل هي “كلمة واحدة” إذا نُسِيَ حرف منها ضاع المعنى وتبددت الروح. إنها لوحة فسيفسائية تلتقي فيها الألوان والأطياف تحت مظلة قيم الرحمة والعدل، لتُكَوِّنَ جملةً كاملة المعنى، لا تُفهم إلا بتمام حروفها.
الأمة الشاملة.. رحمة تتجاوز الحدود
الأمة الإسلامية ليست حِكراً على معتنقي دينها، بل هي أمةٌ جامعة تَضُمُّ في حضنها كل من يعيش تحت سمائها، باختلاف عقائدهم وأديانهم. إنها تقدم نموذجاً فريداً للتعايش؛ فشمولية الرحمة التي دعا إليها الإسلام تجعل حفظ الدماء والأعراض والممتلكات واجباً مقدساً، وتجعل نشر السلام وضمان الأمان مسؤولية جماعية. هنا تكمن عظمة الأمة: في قدرتها على أن تكون “يداً واحدة” يسعى بحاجتها أدناها وهي يد على من سواها.
التلاحم الحي.. شعوب تكتب التاريخ
لا تُختزل الأمة في خطبٍ أو شعارات، بل تظهر في صور حية من التضامن الإنساني. كيف ننسى استقبال الأتراك للملايين من السوريين والأفغان والأوكرانيين، وكيف فتح المصريون قلوبهم وبيوتهم لإخوةٍ من السودان واليمن والعراق؟ كيف يعيش ملايين العرب والمسلمين في دول الخليج منذ عقود، متشاركين البناء والرخاء؟ هذه الصور ليست استثناءً، بل هي القاعدة التي تُثبت أن الأمة، رغم تعدد لغاتها وثقافاتها، تبقى جسداً واحداً من الصين إلى أمريكا، مروراً بقلوب تنبض في إفريقيا والشرق الأوسط.
القدس وفلسطين.. القلب النابض والمعيار الأخلاقي
لا يمكن فصل الحديث عن الأمة الإسلامية عن القدس وفلسطين، الأرض التي تُختبر عندها الإيمانيات، وتُقاس عليها المواقف. إنها ليست مجرد جغرافيا، بل هي رمز الهوية ومعيار الولاء. والمقاومة هنا ليست عملاً عسكرياً فحسب، بل هي “الطائفة المنصورة” التي تحمل رسالة الدفاع عن المقدسات والإنسان.
التحديات والمؤامرات.. جراحٌ تتحول إلى دروس
من السودان إلى ليبيا، ومن اليمن إلى سوريا والعراق، تتعرض الأمة لسياسات تفتيت ممنهجة، تُخطط لها أقلامٌ في أروقة البيت الأبيض والكنيست. لكن هذه الجراح، رغم عمقها، لم تُنتج إلا شعوباً أكثر وعياً، ترفض أن تكون دمىً في مسرح القوى العظمى. فها هي الانتصارات تتوالى: في سوريا حيث تعود مقاليد الحكم لتمسك بها إرادة الشعب، وفي اليمن حيث يصنع الحوثيون قرارهم المستقل، وفي السودان حيث يقترب الجيش من استعادة الأمن من براثن الفوضى.
صحوة الشعوب.. رياح التغيير لا تُوقفها حدود
لم تكن الانتصارات وليدة الصدفة، بل ثمرةً لصحوةٍ إسلامية تجتاح العالم من ماليزيا حيث يعود الإسلاميون إلى سدة الحكم، إلى تركيا التي توسع دائرة نفوذها الإنساني في إفريقيا، مروراً بمصر التي تصرُّ أن تقف صامدة كالجبال ضد كل محاولات الإضعاف. حتى في أوروبا، تتحرك الشعوب الإفريقية لاستعادة سيادتها من براثن النفوذ الاستعماري القديم.
العيد القادم.. يومٌ يلوح في الأفق
الاحتفال الحقيقي بعيد الأمة لن يكون يوم تُرفع الأعلام أو تُلقى الخطب، بل يوم تعود فيه الشعوب إلى رشدها الحضاري، ويتولى قيادتها من يُدركون أن حقوق الإنسان والحرية ليست شعارات، بل جوهر وجودهم. يومٌ تتحرر فيه القدس، ويُبنى فيه السودان واليمن وليبيا بأنامل أبنائهم، وتُحكَم فيه سوريا والعراق بإرادة شعوبهم لا بإملاءات الخارج.
إنه عيدٌ قادم لا محالة، فالأمة التي صنعت التاريخ لن تسمح لأحدٍ أن يسرق مستقبلها. وإن طال الليل، فلا بد أن يبزغ فجرٌ جديد تُكتب فيه كلمة الأمة بحروف من نور: أمة واحدة، لا تتجزأ.