تقارير و تحقيقاترياضةمقالات

البطاقة لا زالت بيضاء : رحلة بلا بطل أو ميدالية


سلطنة عمان / سامح الدهشان

تكتب الأمجاد في عالم الرياضة بالنتائج الملموسة والميداليات المتلألئة، لا بالمشاركات الشكلية أو الخطابات الطنانة. لكن يبدو أن اللجنة الأولمبية العُمانية، على مدار سنوات ونحن علي أبواب الانتخابات لاختيار مجلسها الجديد ، قد اختارت أن تكتب تاريخها الأولمبي بقلم الوعود البراقة، تاركةً الملاعب والمنصات خالية من أي إنجاز يُذكر للرياضة الاولمبية تحت قيادتها، تحولت الرياضة الأولمبية العُمانية إلى مجرد حضور رمزي، بعيد عن التنافس الحقيقي، فيما تبقى النتائج عبارة عن صفر كبير يتوسط كشف الحساب.

كشف حساب
الأرقام لا تكذب، حتى لو حاولت البيانات تجميل الواقع. منذ انطلاق مشاركات سلطنة عُمان الأولمبية في لوس أنجلوس 1984، لم تُحقق سلطنة عُمان أي ميدالية أولمبية – ذهبية، فضية، أو حتى برونزية. هذا الواقع، رغم قسوته، ليس سرًا. لكن بعد عقود من المشاركة، كان من المفترض أن نشهد تقدمًا ملحوظًا، أو على الأقل خطوة نحو الأمام. فماذا حدث؟
في أولمبياد باريس 2024، اقتصرت مشاركة عُمان على أربعة لاعبين فقط: رامٍ، عدّاءان، وسباح. لم يتأهل هؤلاء بجدارة رياضية، بل حصلوا على مقاعدهم عبر “البطاقة البيضاء” – تلك الدعوة الرمزية التي تُمنح للدول غير القادرة على التأهل بالطرق التقليدية. عدد اللاعبين المتأهلين مباشرة؟ صفر … عدد الميداليات؟ صفر .. عدد الوعود بـ”صناعة بطل أولمبي”؟ وعود لا نهائية لا تنتهي بتحقيق هذا الحلم الذي طال انتظاره … . لقد أتقنت اللجنة الأولمبية لعبة “الصفر”، لتصبح الرياضة العُمانية في الأولمبياد مجرد حضور بلا أثر.

مشروع “البطل الأولمبي”: حلم بعيد المنال

كثيرًا ما أعلنت اللجنة الأولمبية العُمانية عن خطط طموحة لـ”صناعة بطل أولمبي”. الفكرة مغرية: اكتشاف المواهب، تدريبها باحترافية، دعمها بموارد كافية، ثم دفعها نحو منصات التتويج. لكن، واقعيًا، يبدو هذا المشروع عالقًا في دائرة الشعارات. أين برامج اكتشاف المواهب المنظمة؟ أين المعسكرات التدريبية الدولية؟ أين الكوادر الفنية المؤهلة؟ أسئلة تبحث عن إجابات في زمن تحولت فيه الرياضة الأولمبية العُمانية إلى مجرد “مشاركة شكلية” بدلاً من منافسة حقيقية.
في أولمبياد طوكيو 2020، كررت الاولمبية الـعُمانية نفس السيناريو: أربعة لاعبين، جميعهم عبر البطاقة البيضاء، وبدون أي إنجاز. ريو 2016؟ القصة ذاتها. اللجنة تدير سفينة طافية علي الماء لا تتقدم، بل تكتفي بالبقاء على السطح، بينما دول أخرى – حتى تلك ذات الموارد الأقل – تحصد الميداليات وتكتب التاريخ.
دول تجيد السباحة الحقيقية التي تصنع الإنجاز .

ما هي البطاقة البيضاء؟
“البطاقة البيضاء” (Wild Card) هي نظام أولمبي يسمح للدول التي فشلت في التأهل مباشرة بالمشاركة في الألعاب الأولمبية. الهدف هو تعزيز التنوع الجغرافي وضمان تمثيل أكبر عدد من الدول، خاصة تلك التي تفتقر إلى البنية التحتية الرياضية أو الخبرة الكافية. تُمنح هذه البطاقات من قبل اللجنة الأولمبية الدولية أو الاتحادات الرياضية الدولية، لتتيح للاعبين من هذه الدول فرصة المشاركة، حتى لو لم يحققوا معايير التأهل القياسية، مثل تسجيل زمن محدد أو الفوز في تصفيات إقليمية. لكن الاعتماد المستمر على هذا النظام يكشف عن ضعف في الإعداد والتخطيط الرياضي.

إخفاقات الرياضة العُمانية: من المسؤول؟
لا يمكن تحميل اللجنة الأولمبية العُمانية المسؤولية وحدها، فالرياضة نظام معقد يشمل أطرافًا متعددة. لكن كجهة مسؤولة عن وضع الاستراتيجيات وتوزيع الموارد، تقع عليها المسؤولية الأكبر في تحقيق النتائج. خلال السنوات الماضية، لم نشهد زيادة في الاحتكاك الدولي، ولا البرامج طويلة الأمد لإعداد الأبطال، ولا حتى جهودًا جادة لاكتشاف المواهب في المدارس والأندية. النتيجة؟ رياضة عُمانية تتألق أحيانًا في بطولات إقليمية، لكنها تتلاشى تمامًا على المسرح الأولمبي الكبير، لتغرق في بحر لا يعرف الامواج .

هل تستطيع اللجنة الأولمبية قيادة التحول؟
السؤال الأعمق هو: هل تمتلك اللجنة الأولمبية العُمانية الرؤية والقدرة على تغيير هذا الواقع؟ الإجابة على الورق تمتلك اللجنة موارد وعلاقات دولية، لكن الرياضة الأولمبية ليست مجرد إدارة مالية أو تنظيم فعاليات. إنها استثمار في المواهب البشرية، تتطلب شغفًا رياضيًا ورؤية طويلة الأمد. تجربة اللجنة الحالية تُظهر أن الإدارة الناجحة في مجالات أخرى لا تُترجم بالضرورة إلى بناء أبطال أولمبيين. ربما تحتاج الرياضة العُمانية إلى قيادة تعيش نبض الملاعب، ولا تكتفي بإدارتها من مكاتب فاخرة.

ختامًا
قد تستحق اللجنة الأولمبية العُمانية ميدالية على جهودها الإدارية المبذولة علي مدار اكثر من أربعين عاماً مرت ، لكنها ليست ميدالية أولمبية. ربما اسميها ميدالية “الحضور بلا إنجاز” وفي وجهة نظري هي الأنسب ، كشف حساب اللجنة يكشف رصيدًا خاليًا من الميداليات، مليئًا بالخطط غير المحققة. التحدي الآن هو الانتقال من المشاركة الشكلية إلى التنافس الحقيقي – تحدٍ يحتاج إلى رؤية جديدة، وإرادة حقيقية، لكتابة تاريخ رياضي يليق بالطموح العُماني، بعد عقود من المشاركة الشكلية ، لا يزال الحلم الأولمبي العُماني عالق في دائرة الصفر، ولا تزال البطاقة بيضاء.


_ سامح الدهشان
هو رئيس لجنة الإعلام الرياضي
شبكة محرري الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews