أبو بكر خلاف يكتب: مصر وإسرائيل .. سلام على خط النار

خاص – الصحفي والباحث في الشأن الإسرائيلي أبوبكر خلاف يكتب لـ شبكة مراسلين
أثارت حادثة مقتل جنديين مصريين على الحدود مع غزة قبل أيام الشكوك والجدل حول مستقبل السلام بين البلدين والسيناريوهات المحتملة في ظل استمرار الحرب على غزة، وتكرار الحوادث الانتقامية بين الجنود على الجبهتين، وتزايد التخوفات مع اصرار الجانب الإسرائيلي على توسيع عملياته العسكرية في غزة ورفح رغم التحذيرات المصرية بانهيار معاهدة السلام مع تجاوز اسرائيل المتعمد للخطوط الحمراء.
وفي المحادثات التي اجريت بين مسؤولي التنسيق العسكري في الجانبين، تم الاتفاق على إبقاء التحقيقات في القضية بعيدة عن الأضواء، وتجنب ردود الأفعال بالمواقف الرسمية لتنتقل الحادثة بهدوء إلى سجل الذكريات.
ويبدو التنسيق الامني في رواية المتحدثين العسكريين بمصر واسرائيل، إذ تقول إذاعة جيش الاحتلال إنّه “جرت في اليوم الأخير محادثاتٌ عديدة بين مسؤولين في الجيش الإسرائيلي والشاباك ونظرائهم في الجانب المصري، وتحاول كلّ من إسرائيل ومصر إبقاء الحدث بعيداً عن الأضواء، وهناك تفاهم مشترك بين الجانبين اللذيْن يحاولان إغلاق الحدث”.
وكان من الطبيعي، أثر ذلك ألّا يصدرُ بيانٌ رسميٌّ مصريٌّ يذكر اسم الجندي صراحة وتم الاستعاضة عن ذلك في بيان المتحدث العسكري المصري بتعريفه ب”عنصر” التأمين: القوات المسلحة المصرية تجرى تحقيقاً بواسطة الجهات المختصة حيال حادث إطلاق النيران بمنطقة الشريط الحدودى برفح مما أدى إلى إستشهاد أحد العناصر المكلفة بالتأمين” . كما تم تشييع الجندي المصري إلى مثواه الأخير بحضور اقتصر على العائلة وأهالي المدينة، دون إقامة جنازة عسكرية مهيبة يحضرها قادة الجيش وربما الرئيس عبد الفتاح السيسي تكريما لأرواح شهداء الجيش والشرطة في “الحرب على الإرهاب” .
حرب إعلامية
العميد المتقاعد والخبير العسكري المصري سمير راغب، قال في مداخلةٍ تلفزيونيةٍ، تعليقاً على مقتل الجندي المصري : “إن الإسرائيليين لو خالفوا الاتفاقية أو دخلوا محور فيلادلفيا هتتحسب مخالفة عليهم، وهتتحل بدفع غرامة وخلاص”.
كما أكد اللواء سمير فرج أن هذه الحادثة لن تؤثر بأي شكل من الأشكال على اتفاقية السلام بين البلدين، ولن تؤثر كذلك على مكانة مصر كوسيط حاليا بين اسرائيل وحركة حماس الفلسطينية للتوصل لوقف اطلاق النار، كما اعتبر أن مكان مقتل الجندي كان في معبر فيلادليفيا وهي منطقة لاتقع تحت السيادة المصرية ” no mans land “ , وفق تعبيره” هي منطقة مفتوحة لاتخضع لسيادة اي من الطرفين. واعتبر فرج أن الرسالة الشعبية المصرية وصلت للقيادة الاسرائيلية بالفعل من استاد القاهرة في مباراة القمة التي جرت مؤخرا حين هتف جمهور الأهلي لفلسطين وغزة وكانت هتافات 180 ألف مشجع كفيلة بأن توضح ماتريد القيادة المصرية قوله وتحذر منه وهو الغضب الشعبي على اسرائيل وهو ما تجلى ايضا في تجاهل الجماهير في المباراة ذاتها للفنان محمد رمضان وأدارت له ظهرها أثناء أداءه الفقرة الاحتفالية لتي سبقت المباراة، كونه متهما بالتطبيع وهي رسالة الغضب المصرية الثانية، وفق تعبير سمير فرج.
موقف المعارضة
وانتقد اعلاميون معارضون ونشطاء بارزون ما وجدوه من تجاهل متعمد لذكر اسم الجندي المصري الذي لقي مصرعة بالحادثة، وقال الصحفي وائل قنديل :” أنّه لم يثبتْ في أيّ وقت أنّ الاحتلال يعتذر عن جرائمه أو يعاقب عليها، .. الشهداء المصريين الذين يموتون بالرصاصِ الصهيوني ليسوا من النوعِ الذي تفضّله الإدارةُ المصرية التي ترى ما يُقدمون عليه من وقوفٍ بوجهِ العربدةِ الإسرائيلية على الحدود مجرّد تصرّفاتٍ فردية، أو أخطاء فريدة يرتكبها أشخاصٌ مضطربون نفسيّاً في العادة، أو بتعبيرِ البيان العسكري الرسمي عناصر تتصرّف فرديّاً بعيداً عن المنظومة”.
وأضاف:”السؤال هنا: ماذا لو كانت نتيجة الاشتباك سقوط قتيل أو قتلى من الجانبِ الصهيوني؟ أو ماذا لو كان الشهيد المصري قد سقط برصاصةٍ فلسطينية أُطلقت بالخطأ من رفح؟ ما هو المتوقّع أن تفعله الحكومة المصرية؟.
واستدل قنديل على حرص الجانب المصري على علاقته مع إسرائيل بواقعتين،الأولى تعود إلى شهر ديسمبر/ كانون الأول 2018، حيث أشارت قناة تلفزيونية إسرائيلية أنّ ضابطاً مصريًا زار قرية نيتسانا، للاعتذار عن رصاصاتٍ أُطلقت بشكلٍ خاطئ، خلال تدريب للقوات المصرية قرب الحدود، رغم عدم تسبب هذه الرصاصات في أية أضرار بشرية، وإنّما فقط أصابت جرار زراعي تصادف تواجده بالقرب من الحدود.
والحادثة الثانية كان طرفيها مصري وفلسطيني وكانت ليلة 26 سبتمبر/ أيلول 2020، حين أطلقت القوّات المصريّة النارَ على مجموعةٍ من الصيّادين الفلسطينيين، فقتلت منهم اثنين، هما الشقيقان محمود وحسن الزعزوع في عرضِ البحر قرب الحدود مع قطاع غزّة، فيما أصيب شقيقهما الثالث، ولم يقدّم الجانب المصري أية اعتذارات آنذاك ولم يهتم بتوضيحِ ما جرى.
تحذيرات مصرية
بحسب تصريحات لمصادر عسكرية مصرية، فإن القاهرة لن تنجر للحرب مع اسرائيل، ووجهت القاهرة العديد من الرسائل إلى الجانب الإسرائيلي والادارة الأمريكية مفادها أن “دفعها للتورط في الحرب أمر غير مقبول، وأن حدث ذلك فستكون اسرائيل هي الطرف الأكثر ضررا. ولن يقتصر الردعلى الجبهة المصرية بل سيكون بمثابة زلزال في الجبهة الداخلية بإسرائيل، ويمتد إلى جبهات أخرى”.
ووفقا لـصحيفة “الأخبار” اللبنانية فإن الترتيبات الأمنية التي تتم مناقشتها حالياً بين الجانبين المصري والإسرائيلي ترتكز على إيجاد آلية لمنع تبادل إطلاق النار بين القوات الإسرائيلية ونظيرتها المصرية على الحدود، في ظل استمرار تسلح الطرفان على ضوء المواجهات المستمرة في القطاع”. ورفضت القاهرة مقترحا يقضي بنزع سلاح المصريين والإسرائيليين على جانبي معبر رفح تجنبا للاحتكاك، ووصف المقترح بأنه “سخيف” وغير قابل للتطبيق”. وبحسب المصدر فإن “هناك تعليمات من القيادة المصرية للجنود بالتدخل النيراني عند وجود خطر، مع التأكيد على ألا يكونوا هم أصحاب المبادرة بالطلقة الأولى”. وبحسب المصدر، فإن نتائج “التحقيقات” الجارية بين القاهرة وتل أبيب بشأن حادثة المعبر ستكون سرية. وسيتم استخدامها لمنع الاحتكاكات الأمنية المماثلة التي من شأنها أن تزيد من تعقيدات الوضع على الحدود”. وهو مايرجعه محللون إلى حرص القاهرة على عدم الانجرار إلى التصعيد. مشيراً إلى أن النظام سيسمح بالاحتجاجات ضد إسرائيل في الشارع خلال الأيام المقبلة”.
أمل إسرائيلي
وتأمل إسرائيل تعاون مصر في تنفيذ مشروع إقامة حاجز تحت الأرض يمنع التهريب عبر الحدود ، تويكون ذلك برعاية أمريكية ودعم خليجي، وأن يدخل السلام بين البلدين ذكراه الخمسين خلال السنوات القادمة دون أزمات جديدة.
وشهدت العلاقات المصرية الإسرائيلية العديد من التقلبات منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد بالولايات المتحدة الأمريكية، ورغم ذلك تم الحفاظ على السلام بين البلدين رغم تعاقب العديد من القيادات، وحدوث تحولات سياسية مهمة في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك العام الذي حكمت فيه جماعة الإخوان المسلمين في مصر، حافظ الطرفان على السلام ولم ينقادا للتصعيد رغم التحديات.
وتعتبر إسرائيل أن أيام التهريب الذهبية كانت في عهد الرئيس السابق المحسوب على جماعة الاخوان المسلمين محمد مرسي، وبفضله لم تكن حماس مضطره لتهريب البضائع عبر الأنفاق بل كان كل شيء متاحا عبر المعابر الرئيسية، وكان المراقبون في الطرف المصري يغضون الطرف عن تفتيش هذه البضائع، وهو الأمر الذي تغير بوصول السيسي إلى السلطة، واضطرت حماس بعده إلى العودة إلى أنفاق التهريب.