كيف صمد الاقتصاد الروسي رغم العقوبات الأمريكية والأوروبية؟
كشفت تقارير دولية، مرونة وصمود الاقتصاد الروسي، في مواجهة العقوبات الأوروبية والأمريكية، بشكل غير متوقع، بالرغم من توجيه المزيد من الإنفاق الحكومي نحو الجيش، وحتى وإن لم يتمتع الروسيون بمستويات الرخاء التي كانت سائدة قبل الصراع مع أوروبا وأمريكا بسبب الحرب مع أوكرانيا.
وقالت وكالة ” رويترز” إنه حتى التوقعات الداخلية التي صدرت بعد فترة وجيزة من إرسال موسكو قوات إلى أوكرانيا قبل عام، بانكماش الاقتصاد بأكثر من 10٪ في عام 2022 ، تجاوزتها روسيا، كما تجاوزت الركود الذي شوهد بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وخلال الأزمة المالية لعام 1998.
وأشارت “رويترز” إلى أن التقدير الأول لوكالة الإحصاء “روستات” يظهر انكماشا أكثر تواضعا بنسبة 2.1٪ العام الماضي، ليثبت الاقتصاد الروسي ونظام الحكم أنهما أقوى بكثير مما افترضه الغرب”.
وهو ما أكده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للنخبة السياسية والعسكرية والتجارية الروسية أمس الأربعاء، حينما قال : “حساباتهم لم تتحقق”.
العقوبات الغربية على روسيا
منذ عام من العقوبات، فرض الاتحاد الأوروبي 9 حزم من العقوبات، تضمنت استهداف القادة السياسيين والعسكريين الروس، كما مُنعت الطائرات الروسية من الطيران إلى أوروبا وفُرض حظر على تصدير التكنولوجيا المتقدمة، بما في ذلك المعدات العسكرية.
إضافة لذلك تكاتف الاتحاد الأوروبي لتجميد الأصول الروسية في الخارج، واستبعاد البنوك الروسية الكبرى من نظام “سويفت” للمعاملات المالية، ومع تصاعد وتيرة الحرب، دفع التكتل لاتخاذ تدابير جديدة، بما في ذلك استهداف قطاع الطاقة الروسي.
بدأ وابل العقوبات بعقوبات غير مسبوقة على البنك المركزي الروسي، إذ جمدت الولايات المتحدة وأوروبا فعليًا أصول البنك الموجودة في الأراضي الأميركية بهدف منعه من استخدام احتياطياته الأجنبية لدعم الروبل الروسي، كما مُنعت العديد من البنوك الروسية من الانضمام إلى نظام “سويفت”. في غضون ذلك، عاقبت وزارة الخزانة الأميركية بنكين روسيين كبيرين وحظرت تداول الأوراق المالية الصادرة في روسيا.
كما ركزت العقوبات على تقليص قدرة روسيا على جني الأرباح من بيع النفط. في مارس 2022، حظرت واشنطن استيراد النفط الخام الروسي والغاز الطبيعي المسال والفحم، وقيدت الاستثمارات الأميركية في معظم شركات الطاقة الروسية.
في ديسمبر الماضي، اتفقت واشنطن وحلفاؤها في مجموعة السبع على سقف سعري للنفط الخام الروسي بنحو 60 دولارًا للبرميل أو أقل.
منع الاتحاد الأوروبي سفن الدول الأعضاء من نقل النفط الخام والمنتجات البترولية الروسية إلى دول ثالثة، كما حظر تقديم المساعدة التقنية أو خدمات السمسرة أو التمويل أو المساعدة المالية ذات الصلة.
دخل الحظر الذي فرضه الاتحاد الأوروبي على النفط الخام الروسي المنقول بحرا حيز التنفيذ، ما سيلغي ثلثَي واردات الكتلة من النفط من روسيا.
تصدير الغاز وارتفاع الروبل
وبحسب التقرير فقد ساعد ارتفاع أسعار الصادرات الروسية من الطاقة، في تخفيف الضربة الناجمة عن العقوبات التي تهدف إلى عزل روسيا اقتصاديا، في حين أدت ضوابط رأس المال إلى ارتفاع الروبل إلى أعلى مستوى في سبع سنوات. وأدى انهيار الواردات إلى فائض قياسي في الحساب الجاري.
وأبقى البنك المركزي، بقيادة إلفيرا نابيولينا، يده ثابتة على الحارث على الرغم من فقدانه إمكانية الوصول إلى احتياطيات دولية بقيمة 300 مليار دولار.
لكن المحللين يرون مع ذلك تكلفة فرصة كبيرة وطويلة الأمد لما تسميه موسكو “عمليتها العسكرية الخاصة” في أوكرانيا.
وقبل بدء الصراع، كانت الحكومة تتوقع نموا اقتصاديا بنسبة 3٪ العام الماضي.
كيف صمدت روسيا؟
تقول تقارير اقتصادية، إن بعض التمويل لدعم الاقتصاد الروسي في 2022 كان على الأرجح من خلال “طلب” من الحكومة إلى الأثرياء بالبلاد، وعلى الرغم من بدء العقوبات الصارمة على النفط والمنتجات النفطية والغاز الروسي في ديسمبر 2022 وفبراير 2023، لكن لم تظهر آثارها على الاقتصاد الروسي بعد.
حيث تمكنت روسيا من استبدال بعض صادراتها من الطاقة المفقودة إلى أوروبا الغربية بتلك المتوجهة إلى آسيا، لكن الأسواق الآسيوية لن تحل محل الأسواق الأوروبية بالكامل، وكثير من صادرات النفط الروسية إلى آسيا تم بخصم.
كما أن بعض الدول لا تزال تسمح بالتجارة مع روسيا في خدمات ومنتجات الطاقة، وبالتالي فالعقوبات أبعد ما تكون عن التشديد.
أثار الحرب اقتصاديا على روسيا على المدى البعيد
ستصبح آثار العقوبات والقيود الأخرى أكثر وضوحًا مع استمرار الحرب خلال الشهور المقبلة، إذ أن التكاليف الحقيقية للحرب بالنسبة لروسيا ستظهر هذا العام، وقد يكون عام 2023 أقسى من عام 2022.
ومع تكثيف روسيا للإنفاق العسكري، وتحويل الأموال من المستشفيات والمدارس، إلى الدعم العسكري، سيعيق ذلك في نهاية المطاف تطوير البنية التحتية الاقتصادية المدنية.
وأشار التقرير إلى ارتفاع الإنفاق على الحرب مع أوكرانيا، وتراجع الإيرادات إلى عجز في الميزانية بلغ 25 مليار دولار في يناير الماضي، في حين انخفض فائض الحساب الجاري بأكثر من النصف عن مستواه قبل عام.
ونبه على أنه عادة ما تساعد أسعار النفط المرتفعة في زيادة صندوق الثروة الوطني في الأيام الممطرة، ولكن مع خضوع صادراتها الهيدروكربونية الآن للحظر والحدود القصوى للأسعار، تبيع روسيا حاليا اليوان الصيني من الصندوق الوطني الغربي لتغطية العجز.
وفي حين تعهدت وزارة المالية بأن العجز لن يخرج عن نطاق السيطرة، فإن الانغماس في الصندوق يهدد بتقليص قدرة موسكو على الإنفاق في المستقبل وتغذية مخاطر التضخم.
وحذر البنك المركزي، الذي يتسم تحليله للصحة الاقتصادية الروسية باستمرار بالتشاؤم من تحليل بوتين، من أن العجز المتزايد في الميزانية تضخمي.
وقال إنه من المرجح أن يرفع أسعار الفائدة من 7.5٪ هذا العام بدلا من خفضها.
ومن أجل الوفاء بخطط الميزانية، سيتعين على روسيا مضاعفة إنفاقها المخطط له في الصندوق الوطني الغربي، مما يهدد بارتفاع التضخم الذي من شأنه أن يجبر البنك المركزي على رفع تكاليف الاقتراض.
كما تقلصت الدخول الحقيقية المتاحة بنسبة 1٪ في العام الماضي، الأمر الذي دفع الروس إلى المزيد من الادخار والإقلال من إنفاقهم، ما ادى لانخفاض مبيعات التجزئة بنسبة 6.7 ٪.
تقول ألكسندرا بروكوبينكو ، المحللة المستقلة والمستشارة السابقة للبنك المركزي الروسي، إن القيادة المالية الروسية أصبحت معتادة على التعامل مع الأزمات.
ويتولى مسؤولون مماثلون المسؤولية منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008، حيث قادوا البلاد من خلال تدهور العلاقة مع الغرب.
واختتم التقرير توضيحه بأنه”يمكننا أن نقول على وجه اليقين أن الصورة ليست بالأبيض والأسود.. يمكن لبوتين أن يفخر بـ “روسيا الحصينة” التي بنتها قيادته المالية.. لكنها بنية بتكلفة عالية”.